مقري يرسم طريق “الاستنهاض الحضاري” في كتاب جديد

صدر حديثا كتاب جديد للدكتور عبد الرزاق مقري بعنوان ” الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور”، عن دار الخلدونية.
وقال المؤلف في مقدمة عمله الفكري إنّ المشروع الإسلامي، حينما وصل بعد مسيرة الصحوة، إلى مرحلة الدولة، تغيّر كل شيء أمام العاملين له، إذ وجدوا أنفسهم ينتقلون بشكل أساسي إلى ساحات العمل السياسي، ضمن فقه وفكر ونظم ومعارف وثقافة، نجحوا بها في ساحات الدعوة. ولكنها، “لم تسعفهم كثيرا في خوض غمار المعارك السياسية، ذات الخصائص المختلفة. ومن ثمة، وقع الإرباك واضطراب الرؤية”.
لذلك يتعلق موضوع هذا الكتاب بالفكر السياسي والإصلاح الاجتماعي، برؤية إسلامية، ويعالج مرحلة حاسمة، وجد فيها المشروع الإسلامي نفسه في واقع جديد، غير الذي اعتاده أصحابُه سابقا، ضمن عقود طويلة خلَت، اشتغلوا فيها في ساحات الدعوة الإسلامية، وفق فقه استنبطوه وأصّلوه هو فقه الدعوة. كانت مهمتهم، هي الصحوة الإسلامية، حسب تعبير الكاتب.
وأقرّ رئيس حركة مجتمع السلم (طيلة 10 سنوات) أنه بالرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها الإسلاميون على صعيد الصحوة، هم اليوم يعيشون اضطرابات كبيرةً، في الرؤية والممارسة والخطاب والعلاقات، جعلتهم يقعون في أخطاءٍ واضطرابات واختلافات، وأحيانا انشقاقات.
ويشرح مقري في كتابه الجديد تطورات الفكرة الإسلامية على مستوى الرجال والمجتمعات والدول، وكيف تحيي أصحابَها، فتصنع بهم صحوة في المجتمع، فنهضةً بالدول ثم كيف تتحول النهضة إلى حضارة عالمية ثم متى وكيف تتراجع الحضارة عكسيا، على نفس الخطى؟
غير أن العبور إلى الدولة مسألة خطيرة وصعبة، مثلما يرى مقري، تتطلب تجديدا عميقا في التفكير والسلوك والممارسات والأدوات، يجب أن تتجه إليه الأجيال الثلاثة، المشترِكة في التغيير الذي أحدثته الصحوة الإسلامية، وأهمها جيلُ الشباب، وعلى هذه الأجيال أن تفهم الفرق بين دائرتي الهداية ودائرة القيادة، وما تتطلبه دائرة القيادة، في تقديره الخاص.
ويوضّح مقري أنّ العبور الحضاري الذي يقصده في كتابه هو إعادة الانتشار على أسس تجديدية مناسبة، وفق مقاربة التخصص الوظيفي، التي تميز بين الدعوة كوظيفة والدعوة كرسالة عامة، بين السياسة كوظيفة رسالية قيادية في الأمة تعالج مسألة العبور، وبين الوظائف المجتمعية المتعددة، التي تحملها شبكات مؤسسات المجتمع المدني النافعة الحرة، التي تتصل بينها من خلال وحدة الرؤية والرسالة الحاملة للفكرة.
ولتفصيل أفكاره المشار إليها، قدّم المؤلف في الفصل الأول ” تحدي العبور”؛ حلولاً مهمة لاستخدام العقل والذكاء والفكر في الانتقال من الصحوة إلى النهضة، وبالفكرة الإسلامية من المجتمع إلى الدولة وعالج تحديات العبور.
وركز في الفصل الثاني ” مسارات العبور” على بعض المفاهيم المتعلقة بفقه الدولة وحسم الأمر بأن القيادة السياسية التي وصلت عن طريق الانتخابات هي صاحبة الأحقية، فالقيادة للحزب السياسي الذي نجح في الانتخابات ووصل إلى الحكم وليس للتنظيم، وضرب أمثلة قديمة وحديثة، وأصل في هذا الفهم، وحذر من خطورة أن القيادة تكون سرية.
ونَظَّر الدكتور لمسألة الرسالة والرؤية في فقه الدولة، وما معنى أن يكون الحزب حزباً إسلامياً، ونبه إلى أهمية السلوك والقدوة، والمرجعية الإسلامية والخلفية الإسلامية للمشروع الاقتصادي والدفاع عن الهوية وقضايا الأمة، وتحدث عن طرائق العبور، كالانتخابات والتحالفات والتوافقات والثورات الشعبية.
كما فصَّل في أنواع المؤسسات ومجالاتها الإستراتيجية، ووسع في هذا المجال وبيَّن أهميتها في النهضة، والمساهمة الحضارية للأمة، كالمؤسسات التربوية والدعوية والاجتماعية والإغاثية والشبابية والنسوية والنقابية والحقوقية ومؤسسات الترف والفنون والرياضة والبحث العلمي، والمؤسسات الخادمة للقضية الفلسطينية، وتكلم عن المواصفات القيادية المعيارية.
وطرح في الفصل الثالث “مواضيع العبور” مسائل وموضوعات حساسة، وذلك من خلال رؤية جمعت بين الأصالة والمعاصرة والتأصيل والانفتاح، كالعلاقة بين الدين والسياسية، ومفهوم الحضارة الإسلامية، ومدنية الدولة، والحكم الراشد، وقضايا الشورى والعدل، والديموقراطية، والربا والاقتصاد، ومشاركة المرأة والشباب، وقيمة العلاقات الدولية.
وقد جال الدكتور مقري في كتابه بعوالم السياسية، وتحولات الفكر السياسي في التاريخ الإنساني الحديث وعلاقته بالانقلابات العسكرية والتدخلات الأجنبية والثورات الشعبية، وقد قام بتقديم خلاصات مهمة للمهتمين فيما يتعلق بالتحولات الديموقراطية والنماذج السياسية المعاصرة في العالم، وبيّن أنواعها وأنماطها، وشمل في حديثه عدة نماذج مثل إسبانيا والصين وتركيا وماليزيا وغيرها.
ورأى الدكتور مقري بأنه لا يوجد تنظيم يغلب الدولة، ولا دولة تغلب الفكرة، وذلك في تنظير متماسك خاطب به العقل، واعتمد في آرائه على السياق التاريخي وحركة الدورات الحضارية، فإنه عرَّج على أهمية المجتمع المدني ودوره في النهضة، وحرص على التركيز على قيمة الهوية والقيم الأخلاقية والإنسانية، ودور الفضاءات الأربع في ترسيخها، الأسرة والمدرسة والمسجد والمجتمع.
وفي تقديمه للكتاب، قال رئيس حركة النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي إن الكتاب عظيم الفائدة ، فقد “شدني إليه بقوة بسبب ما طفح به من روح تجديدية جريئة في تناوله لمختلف العقبات والتحديات التي واجهها ويواجه المشروع الإسلامي في محاولات انتقاله وعبوره من مرحلة الدعوة الى مرحلة الدولة ومن مرحلة الصحوة الى مرحلة النهضة”.
وأضاف أنّ “تحدي العبور” منتوج جاد ومفيد وإضافة مهمة للمكتبة الاسلامية الحركية، أقدر أنه من أفضل ما طرح في موضوعه، وجدير بأن يكون منطلقا لحوارات وندوات لاختبار اطروحاته.
أما المؤرخ الليبي علي الصلابي فقال في تقريضه إن هذا الكتاب يدل على أن صاحبه ملّم إلماماً شاملاً بفكر الحركة الإسلامية، فهو “أشار إلى ملامح وأصول النظرية السياسية في الحكم، ودعا المفكرين والنخب والعلماء للبحث والمطالعة والدراسة للوصول إلى مرتكزاتها، فقد دعا إلى تقديم نظرية إسلامية كاملة للدولة والحكم، والاستفادة من التجارب الناجحة والفاشلة إلى حد كبير”.