ملفات التقاعد والمهن الشاقة والسياسة والفساد

يتحدث الأمين العام الجديد للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عمار تاقجوت، في هذا الحوار مع “الشروق” عن إعادة ترتيب البيت الداخلي لأكبر تنظيم نقابي في البلاد، والذي يرى أنه طالته انحرافات وابتعد عن مهامه، وعن ملف التقاعد وقائمة المهن الشاقة التي يرى أنه يمكن إعادة إحيائها، فضلا عن البحث عن الأموال داخل المنظمة ولم الشمل وأمور أخرى، مشددا على أنه يسعى لإعادة الممارسة النقابية لسابق عهدها عبر تغيير إيجابي دون أن يكون أسيرا لأي جهة.
تمت تزكيتك على رأس الاتحاد كأمين عام لعهدة جديدة مدتها 5 سنوات، ما هي أولويات تاقجوت على رأس المركزية النقابية؟
أعتقد أن إعادة التنظيم الداخلي للاتحاد تبرز كواحدة من الأولويات قبل كل شيء، لأنه من غير الممكن الحديث عن أولويات خارج التنظيم قبل إعادة ترتيب البيت من الداخل، لأن هناك هياكل وجب أن تجدد، إضافة إلى اتحاديات وولايات وفيه مشاكل وجب إنهاؤها في أقرب وقت.
في هذه النقطة أود الإشارة إلى أن الشرعية يجب عدم التخلي عنها، وما هو ملاحظ أن التنظيم النقابي لم يمنح قضية الشرعية ما تستحقه ولذلك بقيت نقابات واتحادات من دون تجديد.
ولكي يحترمك الآخر لا بد من أن تكون لديك الشرعية وفقدانها يُفقد الاحترام، لذلك أشدد على أن كل الاتحاديات والنقابات والاتحادات الولائية والفروع التي انتهت عهداتها سيتم تجديدها، وهذا طبعا سيكون وفق عمل جماعي وليس فرديا.
ولهذا الغرض سيتم تنصيب لجنة تنظيمية تكون مهمتها تحضير كافة المؤتمرات المتعثرة.
كذلك من الأولويات، برمجة عمليات تكوين نقابية واسعة بالنظر لكون هذا الملف صار الحلقة الأضعف في التنظيم النقابي، الذي ابتعد عن التكوين وإن وجد فهو ناقص ولا يمس التكوين الأساسي القاعدي للنقابي، ولذلك فإعادة ترتيب البيت والتكوين إن لم نباشرهما سنواصل في طرق العمل السابقة التي أوصلت التنظيم لما هو عليه الآن.
حاليا الكثير من النقابيين لا يعرفون بديهيات العمل النقابي وما هي النقابة وما هو دورها وعلاقة النقابي بقانون العمل وبالنظام الداخلي والقانون الأساسي للاتحاد وعلاقته بالمستخدم وحتى التنظيم داخل النقابة، كثيرون من لا يعرفون أن اتخاذ القرار يكون في المجلس وليس فرديا وكل هذه الأمور أثرت على أداء المهام النقابية.
وأعتقد أيضا أن النقابيين بحاجة إلى تكوين ثان فيما يخص تقنيات وأساليب التفاوض الجماعي الذي يتطلب مرونة وهي أمور جد مهمة لمقابلة ومواجهة المستخدم والإدارة، فضلا عن تكوين النقابيين في أساليب النقاش الفكري والتشاور وتقديم الحجج والبراهين وتنظيم الندوات والمحاضرات وغيرها.
أمر آخر وجب الإشارة إليه، هو فتح نقاش مع العمال بشأن الاقتصاد، مفاده أن الاقتصاد يعني وجوب تحقيق ربح حتى يكون هناك توزيع للأرباح، لأن فيه بعض الذهنيات التي ترى أن المؤسسة الاقتصادية العمومية لها الأموال، وهذا خطأ لأن كل واحد يجب أن يعي ماذا يستطيع أن يقدم للاقتصاد وللمؤسسة مهما كانت طبيعتها عمومية أو خاصة، لذلك وجب العمل وخلق الثروة للحصول على توزيع الأرباح.
البيان الختامي للمؤتمر الاستثنائي اعترف بوجود فساد في المنظمة وانحرافات وغياب المركزية النقابية على أرض الواقع ما جعل منها “جسدا بلا روح”، ما هي ورقة الطريق للرجوع بالمنظمة إلى سابق عهدها؟
هناك أمران أساسيان في هذا الموضوع:
أولا احترام القانون، لأن الانحراف جاء من عدم احترام القانون، وكما هو معلوم فإن النظام الداخلي والقانون الأساسي نابعان من قانون العمل والممارسة النقابية وعندما لا يتم احترامهما يحدث الانحراف.
زيادة على هذا، فالممارسة النقابية في مفهومها هي فضاء للتشاور والتنافس الفكري والتفاوض وإيجاد الحلول جماعيا، لكن هذا غير موجود في الاتحاد العام وهو أيضا نوع من أنواع الانحراف.
ما يمكن قوله أيضا إن القرارات تتخذ في فرع نقابي ولكن في مجلسه والاتحادات المحلية والاتحاد الولائي أيضا على مستوى اللجنة التنفيذية الولائية وعلى مستوى مركزي ولكن ليس في الأمانة بل على مستوى اللجنة التنفيذية .
لذلك، من الفرع النقابي حتى القيادة المركزية يجب أن تُحترم الهيئات لأن القرارات تتخذ على مستوى الهيئات وليس الأشخاص، وأنا شخصيا ضد أن يتخذ شخص القرار بل الأخير يأتي من الهيئة، ومن أسباب الانحرافات هو التخلي عن هذه الآليات وعدم احترامها.
إذا احترمنا الممارسة النقابية والتكوين والهيئات هنا فقط يمكننا تعبئة العمال، لأن هذا من أنواع الدفاع عن السيادة الوطنية، وهو ما فعله سابقا عبد الحق بن حمودة وعيسات ايدير، وتحقيق ذلك لا يكون بالكلام والخطابات لكن وجب العودة إلى العمل بالآليات الضرورية للعمل النقابي.
خلال المؤتمر صرحت بأنه لا مجال لمن يريد البزنسة، وبأن من يدخل النقابة يخسر أكثر مما يربح، كيف سيكون ذلك؟
الأمر يتعلق بالنضال في حدّ ذاته، ولو كان عيسات ايدير يريد الربح المادي لما جاء إلى النقابة واستشهد، وكذلك عبد الحق بن حمودة، وعادة المناضل لا يربح ماديا بل يسجن أو يقتل ويخسر من ماله ومسيرته أو يكون مغضوبا عليه وهذا منطق موضوعي.
عندما تريد جمع المال وتحقيق الربح وتعمل البزنسة هنا تنتهي النقابة، ولو أردت الأموال لقمت بها بعيدا عن النقابة دور النقابة ينتهي لما تأتي الأموال، وهذه أمور سلبية ظهرت في الاتحاد.
صرحت أيضا خلال المؤتمر بأنك ضد لم الشمل العشوائي داخل المنظمة، لماذا؟ وما هي المصالحة التي يريدها الأمين العام الجديد؟
لم الشمل للجميع بإعادة الصالح والطالح لا أقبله، بل لم الشمل مع الناس الذين لهم انتماء وشعور تجاه المنظمة والذين ظلموا وتم إقصاؤهم، لكن لم الشمل فقط هكذا.. وإعادة من انحرف ولم يحترم قوانين المنظمة ويعمل بزنسة فهذا غير منطقي.
أؤكد على أن المناضل الذي يؤمن بالانتماء للمنظمة ويُرد له الاعتبار فهذا أمر عادي، أما من يبحث عن وصولات الوقود والأموال والامتيازات وبعد أن كان نقابيا يصبح مديرا ثانيا موازيا للمؤسسة فهذا لا لمّ لشمل معه.
يجب أن نتحلى بالتواضع نحن من العمال ونبقى منهم، لكن لم الشمل إذا خرج من إطاره وتحول إلى شعبوية فهذا غير مقبول، ويجب إعادة العمل النقابي إلى قواعده وآلياته من خلال القرارات عبر الهيئات وإعادة الاعتبار للجان الانضباط.
اللجنة التنفيذية تم تشكيلها خلال المؤتمر الاستثنائي، لكن اللجنة التنفيذية الوطنية تأجلت وسط حديث عن خلافات، ماذا حدث بالضبط؟
أؤكد من هنا أنه لا وجود لخلافات، كل ما في الأمر أنك لا تستطيع تشكيل أمانة ونحن لا نعلم بتفاصيل تسليم واستلام المهام فيها وهنا أشرح:
عقدنا مؤتمرا استثنائيا ما يعني عدم وجود تقرير مالي وأدبي ولو كان المؤتمر عاديا لتم تقديم التقرير المالي والأدبي، وعندما يمر التقريران في المؤتمر واللجنة التنفيذية السابقة، يكون من حق الأعضاء القياديين الترشح لعضوية الأمانة الوطنية.
لكن بما أننا عقدنا مؤتمرا استثنائيا فهذا يعني عدم وجود التقريرين الأدبي والمالي، فلا يمكن تشكيل أمانة وطنية بنفس الأعضاء بل يجب عرض وضعية الأمانة بالتفصيل ونقوم بإعداد تقييم، فإذا كان فيه عمل حقيقي من طرف عضو ما فيمكنه الترشح، وإذا لم يكمن هناك عمل حقيقي في العهدة السابقة فلا يمكنه الترشح.
لذلك لا يمكن الترشح قبل تقديم الحصيلة لأننا لم نقدم الحصيلة في المؤتمر ولذلك سيتم تقديم تقييم مفصل بشأنها، لأنه لا يمكن المواصلة بنفس التركيبة والمواصلة بها يعني المواصلة بنفس طرق التسيير.
أنا شخصيا أحب التناسق، وأنا هنا في هذا المنصب لإحراز تقدم إيجابي في المنظمة مع المناضلين الذين يؤمنون بإحداث التغيير الإيجابي وإلا فلا.
أنا لا أحب أن أكون أسيرا لأي كان، ومن المنتظر أن يتم تشكيل الأمانة الوطنية مع الدخول الاجتماعي، لدي تركيبة ولدي نظرة ولكن يجب تقديم التقييم المفصل حتى لا أتعسف، ومن الممكن أن تخرج حقائق خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لم نأت على ذكرها في المؤتمر.
هل صحيح أن المركزية النقابية خسرت الكثير من القاعدة العمالية لصالح النقابات المستقلة بسبب مواقفها التي كانت بعيدة نوعا ما عن طموحات الطبقة العاملة؟
إذا خسرت فإن ذلك يعود للأسباب التي تكلمنا عنها، من منطلق أننا لم نقم بالعمل النقابي جيدا ونسينا أنفسنا وتخلت النقابة عن العديد من أدوارها، ورغم ذلك ما زالت قوية وهي أكبر تنظيم نقابي في البلاد ولكن ليس بنفس الحجم الذي كانت عليه لما كانت لوحدها.
اليوم فيه نقابات مستقلة منافسة في عديد القطاعات، وهذا من أوجه التعددية النقابية ويجب تقبله، وإذا أردنا النجاح وتقوية النقابة يجب العمل وفق المثل الشعبي القائل “دير كيما دار جارك ولا حول باب دارك”.
للأسف كان بمقدورنا أن نكون مثالا للنقابة لكن خسرنا هذه المكانة المثالية للأسباب التي سبق ذكرها والانحرافات وغيرها.
ولكن لو هناك ناس تؤمن بالنضال والانتماء للمنظمة وتضحي، فإن بإمكانهم أن يسترجعوا مكانة الاتحاد العام.
المنافسة لا تقلقنا ويمكن أن تكون قاسما مشتركا بيننا وبين النقابات المستقلة سواء كانت مهنية أو اجتماعية، ندافع عن نقابتنا ونسمع بعضنا، وأؤكد هنا أنه إذا كان من مصلحة البلاد والعمال فأنا مستعد للقاء النقابات المستقلة، لكن بشرط مصلحة البلاد والعمال معا.
خلال العقدين الماضيين المنظمة اختلطت بالسياسة، لكن منذ الحراك رأينا أنها ابتعدت عنها نوعا ما، هل ستحافظ المركزية النقابية على هذا المسار؟
من الأحسن أن تبتعد المنظمة النقابية عن السياسة، لأن الاتحاد العام والنقابات بصفة عامة لديهم مشروع خاص بهم يتمثل في الدفاع عن مصالح العمال وتقديم المبررات من خلال المناقشات، ولا يقدمون برامج بديلة للحكم لأن هذا من صميم عمل الأحزاب السياسية وهذا مكمن الخلاف بيننا والمنطلق ليس نفسه.
النقابة لا تبحث عن الوصول إلى الحكم عكس الأحزاب السياسية، لذلك لا نريد أن تكون سلما ولا جسرا وهذا هو المنطق، الأحزاب في مكانها والنقابة في مكانها.
هل ما زال العقد الاجتماعي الذي وقعت عليه المركزية النقابية سابقا مع الحكومة قائما؟
العقد الاجتماعي لا يمكنه إلا أن يكون قائما دائما، فإذا كان موجودا ووقعت عليه وعملت عليه يجب المحافظة ودعمه وإحداث تحسينات عليه، وإذا لم يتحقق بعد يجب على العمال جعله واقعا، لأنه يبقى مهما للبلد والاقتصاد والاستقرار وهو جزء من الحوار الاجتماعي.
المركزية النقابية شاركت سابقا فيما يعرف بـإعداد قائمة المهن الشاقة للتقاعد، لكن الملف اختفى ولا أثر له بمكاتب دار الشعب، هل سيتم إحياؤه مجددا؟ وما هي نظرتك كأمين عام لهذه القضية؟
سابقا كنت شاهدا على عمل تم إعداده بشأن ملف المهن الشاقة.
هذا الملف يمكن إعادة إحيائه مجددا والبحث عن الملف، لأن العمل الذي تم حينها شارك فيه أطباء مختصون ويبقى عملا مرجعيا.
أشير إلى أن المشقة موجودة في كل المهن تقريبا، لكن تبقى درجات المشقة هي التي تحدد، وهناك نقاش حتى في الدول الغربية لكي لا نبالغ.
أما بخصوص التقاعد ومن أجل أن ننهي هذا الملف والمطالب التي تسعى للعودة إلى النظام القديم للتقاعد، أظن أنه يجب أن ننظر لأثر ذلك على اقتصاد البلاد وما هو الهدف المتوخى؟ هل التقاعد النسبي أو نوع آخر؟
هناك نقاش ولا يجب قياسه فقط من منطلق المطالب بل يجب دراسة وقع وأثر ذلك على الاقتصاد الوطني والمجتمع ككل، وهنا أتساءل ماذا يفعل شخص طيلة 20 سنة تقاعد؟ أنا أعرف أشخاصا أصيبوا بالملل وتحولوا إلى البحث عن نشاطات.
وأعتقد أنه يجب أن نحلل كافة المعطيات عبر نقاش واسع، لأن التقاعد يجب أن يخضع لمسائل اقتصادية واجتماعية وأيضا لظروف ووضعيات استثنائية، وأنا شخصيا منفتح على النقاش لكن لا أستطيع أن أغامر، فسابقا مثلا كان لدي موقف وهو أن الذي عمل 20 سنة لا يستطيع أن يحال على التقاعد بل يجب أن يعمل 32 سنة، وقلت أيضا حينها إن الذين عملوا 32 سنة ويستطيعون المواصلة لم لا؟
بالنسبة للتقاعد عند إتمام 32 سنة خدمة، أعتقد أنه ليس ممنوعا أن نتناقش بشأن هذه النقطة، لكن عبر نقاش يعتمد على المبررات والحجج، وإذا لم تكن لنا مبررات لا يجب أن نطالب فقط، لأنه وجب أن نقول ونبين ما هو الأثر الإيجابي والسلبي على الاقتصاد والمجتمع.
أخيرا أقول إنني في مهمة ثقيلة وصعبة ولكنها ليست مستحيلة ونسأل الله أن يوفقنا في ذلك.