هكذا تم تهريب 800 مليار إلى فرنسا وإسبانيا وكندا

كشفت محاكمة الفساد التي طالت شركة “كلورال” لاستخراج وتحضير وتسويق الملح، عن الطريقة الممنهجة لتهريب الأموال التي تمنحها البنوك العمومية الجزائرية طيلة سنوات عديدة ماضية، على شكل قروض لإنشاء مشاريع، في إطار دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام، لكن تبين في آخر المطاف أنه تم تحويلها إلى إسبانيا وفرنسا وكندا، وتبييضها في شراء العقارات والمصانع والشركات وتبديدها في السهرات والفنادق الفخمة، دون التجسيد الفعلي لأي مشروع استثماري في الجزائر، بل لم يقم أصحابها الفارون من العدالة حتى بتسديد هذه القروض التي تجاوزت 800 مليار سنتيم، حسب ما كشف عنه تقرير المفتشية العامة للمالية.
وكشفت جلسة المحاكمة أن المتهمين استخدموا طرقا احتيالية للحصول على أموال طائلة، من خلال التقدم إلى بنك القرض الشعبي الجزائري للحصول تحت غطاء الاستثمار في المجال المنجمي، لاستخراج وتحويل الأملاح الصناعية الغذائية، بعد أن قدموا دراسة تقنية ومالية معدة من قبل مكتب الدراسات Sarl apritech الموطن في فرنسا وهو المكتب المملوك للمتهم “ق. جمال”.
كما تبين أن المتهمين بعد الدراسة المقدمة إلى البنك قاموا بتأسيس شركة تجارية تحت تسمية ” SARL GIE” دون أن يكون لها نشاط فعلي ولا تملك أي عتاد في مجال أشغال البناء وليس لها عمال، حيث كانت تعمل على تضخيم الفواتير للحصول على أكبر قدر ممكن من القروض البنكية.
كما خالف المتهمون اتفاقية القرض والتي تشترط أن لا يدخل القرض حيز الاستغلال إلا بعد تقدم نسبة الأشغال في الهندسة المدنية نسبة 80 بالمائة، وأن تساهم بنسبة 5 بالمائة من العتاد، إلا أن المعاينة التي قام بها الخبراء إلى غاية 25 جوان 2024، تبين أن الأشغال لم تتجاوز 30 بالمائة .
كما تبين أن الشركة الأمريكية التي تم إبرام شركة “كلورال” لاتفاقية التصدير معها هي شركة صورية، ومجرد غطاء تم استغلاله من طرف المتهمين للحصول على قروض ومبالغ مالية ضخمة ثم تحويلها إلى خارج التراب الوطني، من بينها قرض بمبلغ 30 مليار سنتيم، كما ثبت أن الشركة لم تقم بأي تصدير للملح المخصص لإزالة الثلوج إلى دولة كندا، فيما توصلت التحقيقات إلى أن الشركتين المسؤولتين عن عمليات الشحن والنقل البحري لنقل المنتوج من شركة “كلورال” من أجل التصدير ليس لهما أي نشاط فعلي، مما يؤكد أنها شركات صورية واحتيالية لتحرير فواتير وهمية للحصول على قرض بقيمة 30 مليار سنتيم و آخر بـ194 مليار سنتيم.
وبالمقابل، فإن شركة ” SAHRA STAR” المسيرة من طرف المتهم ” ت. م”، قد أنشئت من أجل استغلال قرض يغطي تكاليف النقل البحري، ليتبين فيما بعد أنها عقود وهمية ولم تقم بأي عملية تصدير.
وقد انطلقت على مستوى محكمة القطب الوطني الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، الأربعاء، 25 سبتمبر الجاري، محاكمة الفساد المتابع فيها 21 متهما، بينهم مديرون وإطارات سابقة وحالية للقرض الشعبي الجزائري، إلى جانب 14 شركة متابعة في ملف الحال، عن وقائع تتعلق بمنح قروض بالملايير لمشروع كاذب لاستخراج وتحضير وتسويق الملح.
ووجهت للمتهمين تهم ثقيلة تتراوح بين التبديد العمدي والمشاركة في التبديد العمدي لأموال عمومية وجنحة الاستفادة من امتيازات غير مبررة بمناسبة إبرام عقد مع الدولة أو إحدى مؤسساتها مخالفة لأحكام والتشريعات، مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالرصف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، تبييض الأموال والعائدات الإجرامية عن طريق تحويل الممتلكات أو إخفائها أو تمويه المصدر غير المشروع أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها في إطار جماعة إجرامية منظمة واستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني.
القاضي وبعد أن قام بالمناداة على المتهمين الموقوفين وغير الموقوفين والشهود والأطراف المدنية المتأسسة في ملف الحال، والتحقق من هويتهم الكاملة، فسح المجال لهيئة الدفاع لتقديم دفوعاتها الشكلية، وفي هذا السياق قدّم المحامي عبد الله هبول 4 دفوعات والتمس عدم الاعتماد وإبطال خبرة المفتشية العامة للمالية .
كما تطرق إلى عدم اللجوء إلى اللجنة المصرفية المحددة في القانون النقدي والمصرفي الجديد لسنة 2023، قائلا: “سيدي الرئيس المادة 120 من النقد والصرف تنص على أن الجهة المخولة بتحديد مخالفة القواعد التي تحكم الخطر المتعلق بالقرض هي اللجنة المصرفية التي يترأسها محافظ بنك الجزائر، وهي تضم قاضيين، قاض من المحكمة العليا وقاض من مجلس الدولة وإطارين مختصين في الاقتصاد والمالية وممثل وزير المالية، بمعنى أن اللجنة لها اختصاص حصري باعتبارها هيئة رقابة على سير البنوك ومن المفروض أن يتم الرجوع والاستناد عليها قبل إحالة الملف على محكمة الحال”.
وبعد فراغ هيئة الدفاع من تقديم دفوعها الشكلية، شرع رئيس الجلسة في استجواب المتهمين والبداية كانت من المتهم “ت. م”، مسير موظف بشركة “كلورال”، المملوكة لـ”ق. شريف” و”ق. جمال” الفارين من العدالة بصفتهم متهمين رئيسيين في ملف الحال.
القاضي يسأل أين هي 800 مليار.. والمتهم “حافظ للميم”
القاضي: أنت متابع بجنح المشاركة في التبديد العمدي لأموال عمومية وجنحة الاستفادة من امتيازات غير مبررة بمناسبة إبرام عقد مع الدولة أو إحدى مؤسساتها مخالفة لأحكام والتشريعات وجنحة تبيض الأموال والعائدات الاجرامية عن طريق تحويل الممتلكات أو إخفائها أو تمويه المصدر غير المشروع أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها في إطار جماعة إجرامية منظمة واستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني هل تنكر أم تعترف ؟
المتهم: لا… أنكرها سيدي الرئيس.
القاضي: ما هي علاقتك بـ”قراين”؟
المتهم: كنت “تخدم” عندهم.
القاضي: منذ متى بدأت العمل معهم؟
المتهم: سيدي منذ سنة 1997، كنت أعمل في مسمكة بوهران ثم انتقلت إلى المرآب ثم في القسم التجاري حتى سنة 2007 ثم أصبحت مديرا للإنتاج .
القاضي: لماذا انتقلت إلى شركة “كلورال” وما هو منصبك في هذه الأخيرة؟
المتهم: بطلب من قراين وكنت مشرفا.
القاضي: ماهي المعلومات التي تعرفها حول شركة “كلورال” بمعنى معاملاتها وقروضها وغير ذلك؟
المتهم: “كلورال” كانت تنشط في مجال إنتاج الملح.
القاضي: لكن كانت من المفروض أن تقوم باستخراج وتحضير وتسويق الملح.. تحدث لنا عن أول قرض تحصلت عليه الشركة؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس.
القاضي: ما هو عدد القروض التي استفادت منها “كلورال”؟
المتهم: ليس لدي علم بذلك.
القاضي: اليوم أتيت إلينا وأنت “حافظ للميم” ؟..لا علينا، ما هي الشركات التي كنت تسيرها ولها علاقة مباشرة بشركة “كلورال”؟
المتهم: شركة ENGINEERING SARL GIE والتي تم تأسيسها في سنة 2015.
القاضي: من كان مسيرها؟
المتهم: أنا سيدي الرئيس.
القاضي: هذه الشركة استفادت من قرض الاستغلال؟
المتهم: لا سيدي القاضي لم تستفد.
القاضي: شركة GIE مختصة في أشغال البناء والمناجم إلا أنها لم تقم بأي أشغال ولم تنجز أي مشروع، بل الأكثر من ذلك لم يكن لها أي نشاط فعلي ولا تملك عتادا في مجال أشغال البناء وليس لها عمال، بل صراحة هي غطاء لتبرير نفقات شركة “كلورال” بعد حصولكم على قرض وضخه في حساب هذه الأخيرة.
المتهم: يصمت ولم يرد.
القاضي: ما هي المبالغ التي تحصلتم عليها من القرض الشعبي الجزائري؟
المتهم: لا أعرف بالضبط سيدي الرئيس.
القاضي: شركة ” SARL SAHARA STAR ” المسؤولة عن عمليات الشحن والنقل البحري لنقل المنتوج من شركة ” كلورال” من أجل التصدير متى تم تأسيسها؟
المتهم: في سنة 2020.
القاضي: بطلب ممن؟ وما هو مبلغ القرض الذي تحصلت عليه؟
المتهم: بطلب من قراين، ولا أعرف مبلغ القرض.
القاضي: الشركة تحصلت على 30 مليار سنتيم هل قمتم بتنفيذ الالتزام ؟
المتهم: لا، لم تقم بالتنفيذ.
القاضي يثور في هذه الأثناء في وجه المتهم قائلا: “القرض تم تحويله إلى شركة كلورال ثم إلى قراين… دراهم راحوا وتم تحويلهم إلى الخارج”.
القاضي: إمضاء العقود كان على مستوى شركة ” كلورال” خلال يومين تضمنت 7 فواتير بقيمة مالية قدرها 43 مليارا، وهذا قبل القيد في السجل التجاري لقاء الخدمة المزعومة؟
المتهم: لا يرد.
القاضي: العملية الثانية تتعلق بمبلغ 30 مليارا، شركة ” كلورال” تقوم بتصدير مادة الملح وأنت مكلف بعملية الإنجاز، فمن المفروض أن تصل نسبة الأشغال 80 بالمائة قبل الحصول على القرض البنكي، اعطنا نسبة الأشغال أين وصلت؟
المتهم : لا أعرف سيدي الرئيس.
القاضي: لكن هذا هو الشرط الذي تم الاتفاق عليه مع البنك ؟
المتهم: لا أعلم سيدي الرئيس
القاضي: أن فقط تعلم بـ 194 مليار سنتيم و30 مليار سنتيم؟
القاضي مجددا: كم من مرة قامت شركة “كلورال” بتصدير مادة الملح؟
المتهم: عملية واحدة فقط تتمثل في تصدير 200 طن بقيمة 11 ألف دولار.
القاضي: هل راسلكم البنك بخصوص إعادة القروض؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس.
القاضي باستهجان: وين راهم الدراهم”؟
المتهم: لا أعرف.
القاضي: أنا أقول لك أين هي الأموال تم تهريبها إلى الخارج بطريقة ممنهجة؟
القاضي يسأل المتهم مجددا حول مسار الأموال قائلا: “ماهي الطريقة التي تم بها تحويل 194 مليار سنتيم و 30 مليار سنتيم إلى الخارج”؟
المتهم: لا أعرف بالتفاصيل سيدي الرئيس.
القاضي: أنت مكلف بالإنجاز وسحبت الأموال من البنك ومنحتهم لشركة “كلورال ” وتردد في كل مرة “لا أعرف .. لا أعلم “، مع أنك مسير بشركتين وموظف بـ “كورال”.. لكن أنا أقول لك إن مبلغا ماليا ضخما يتمثل في 800 مليار سنتيم تم تحويله إلى الخارج.
القاضي: أنت صرحت خلال التحقيق بأن “ق. شريف” و”ق.جمال” يتلقيان الأموال بعد صرفها بالسوق السوداء في وهران إلى العملة الصعبة ثم يقومان تحويلها إلى فرنسا وإسبانيا، وأكدت أن هذين الأخيرين كانا يقومان بصرفها في الفنادق والسهرات وتأجير الفيلات والشقق.
القاضي مجددا: اذكر لنا أسماء الشركات المملوكة لقراين؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس .
القاضي: ما هو تعليقك على تصرفات قراين؟
المتهم: “ماشي مليحة”
القاضي: نعم، لكن أنت ساعدتهم في تهريب أموال الدولة؟
المتهم: لا سيدي الرئيس أنا وضعت فيهم ثقتي الكاملة وكنت فعلا أؤمن بمشروع استخراج الملح.
القاضي يقاطعه مستغربا: لا.. أنت تعرف منذ البداية أنه لا توجد هناك أشغال وأن هدف هؤلاء هو تحويل الأموال وتهريبها إلى الخارج.
القاضي: ماهي الشركات التي يملكها “قراين” في الخارج؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس.
القاضي: هو يملك شركات في كندا وفرنسا.
هكذا كانت تسير شركات الفساد بـ”التليفون”
ومن جهته، أنكر المتهم “ر.ع” مسير شركة ” SARL ST ” المملوكة للمتهمين “ق. شريف” و”ق. جمال” صاحبي شركة “كلورال” جميع التهم الموجهة إليه قائلا إنه لا يعلم بالتصرفات والتجاوزات التي قاما بها هذان الأخيران.
القاضي: أنت متابع بجنح المشاركة في التبديد العمدي لأموال عمومية وجنحة الاستفادة من امتيازات غير مبررة بمناسبة إبرام عقد مع الدولة أو إحدى مؤسساتها مخالفة لأحكام والتشريعات وجنحة تبيض الأموال والعائدات الإجرامية عن طريق تحويل الممتلكات أو إخفائها أو تمويه المصدر غير المشروع أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها في إطار جماعة إجرامية منظمة واستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني هل تنكر أم تعترف؟
المتهم: لا… أنكرها جملة وتفصيلا سيدي الرئيس.
القاضي: ما هي علاقتك بعائلة ” قراين”؟
المتهم: كنت أعمل عندهم ومن حيث القرابة فإن “ق. شريف” ابن عمي.
القاضي: ماهي الشركة التي كنت تسيرها وما مجال نشاطها؟
المتهم: الشركة هي ” SARL ST ” الكائن مقرها بولاية مستغانم.
القاضي: أنت مسيرها متى بدأت العمل فيها؟
المتهم: سنة 2006 قبل أن أنتقل إلى شركة ” كلورال” في سنة 2016.
القاضي: تحدث لنا عن القرض البنكي الذي تحصلت عليه الشركة من البنك الوطني الجزائري ؟
المتهم: لا سيدي الرئيس لم نتحصل على أي قرض.
القاضي: لا …تحصلت على قرض قيمته 500 مليار سنتيم ؟
المتهم: لا أبدا سيدي الرئيس هذا غير صحيح.
القاضي: هل أنت على علم بعمليات تحويل العملة إلى الخارج وبالضبط إلى “ق.شريف” و”ق. جمال”؟
المتهم: لا أعلم سيدي الرئيس لأنني لا تربطني علاقة مباشرة معهما.
القاضي: هل تعلم بحجم القروض التي تحصلت عليها شركة ” كلورال”؟
المتهم: لا …لكن ما أعرفه أنه تحصل على عدة قروض في إطار الاستثمار.. سيدي الرئيس حتى دخلت سجن الحراش “باش عرفت” بوجود عدة شركات مملوكة لـ ” قراين”.
القاضي: هل تعلم أن شركة ” كلورال” تنشط في مجال استخراج الملح ومع هذا تقوم باستيراد الملح؟
المتهم: يصمت ولا يرد.
القاضي: متى غادر كل من “ق. شريف” و”ق.جمال” أرض الوطن دون رجعة ؟
المتهم: في سنة 2021 .
القاضي: ماهي الأسباب التي كانت وراء ذلك؟
المتهم: على حسب المعلومات التي بحوزتي ، فإن السبب هو أن قراين كان عنده صك بدون رصيد .
القاضي مستغربا: كيف كان يسير قراين الشركات؟
المتهم: بـ”التليفون”.