-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آفاق التغيير القائمة والقادمة

عمار يزلي
  • 717
  • 1
آفاق التغيير القائمة والقادمة

من الخطإ، الاعتقاد أن التغييرات الاجتماعية والسياسية التي ترافقها إصلاحات جذرية أو جزئية، قد تؤتي أكلها كلها في ظرف وجيز. ذلك، أنه يوجد أكثر من سبب في حدوث تغيير على النحو السريع الذي نريد. الهدم أصلا أسهل من البناء، وما يحطَّم في عام لا يمكن أن يعاد بناؤه في عامين، لاسيما إذا كان البناء والتحطيم يمسان السلوك والممارسات الثقافية، وهو أمر حتمي.

عندما تحدث عالم الاجتماع “إميل دوركهايم”، بعد نحو قرن عن الثورة الفرنسية وما أنجزته من تغييرات وطفرات في النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، عندما تحدّث عما سماه بـ”الأنوميا”، أو “اللامعيارية”، على مستوى السلوكيات والممارسات الفردية والجماعية، التي أعقبت خلخلة النظام الاقتصادي الاقطاعي، قبل أن ينهار تحت ضربات معول الثورة الفرنسية التي حطمت ما كان موجودا على ترهّله وتقليديته وتخلفه، واتضح في ما بعد أن التبشير بالرأسمالية الوليدة كمخلص من كهنوت الكنيسة الكاثوليكية ونظام الإقطاع المثبط للقوى الناشئة البرجوازية المدينية، كان دوركهايم يفسِّر بذلك ظاهرة التغيير عبر حالات اللاتماهي مع حلم الثورة وانعكاساتها المضادة على الفرد والجماعة، بعد أن تم تحطيم كثير من المعايير التقليدية، لاسيما الأخلاقية الدينية، وكأنما كان يبشِّر بتحولات أعمق وأخطر مستقبلا على واقع الممارسات الثقافية للمواطن في ظل التحولات السريعة والمتوحشة للآلة الوثنية التي “حطمت الإله”، أو التي سعت إلى تحطيمه، بغية تأسيس نظم ثقافية قيمة معيارية جديدة مبنية على أساس الربح والسرعة والفردنة وتحرير الفرد من روابط الدين والأسرة وربطها بقيم المواطنة الوضعية.

هذا، ما أدى إلى ظهور حالات انتحار كثيرة، تحولت إلى ظاهرة اجتماعية، بعد أن كانت حالات فردية سابقا، والسبب في ذلك، هو تحطُّم المعايير التقليدية المعتمدة على التكافل والتكفل الاجتماعيين في مجتمع صار أنانيا فردانيا ربحيا بامتياز، يعتمد على معايير وقيم الوقت والآلة على حساب إنسانية الإنسان. هذا ما دفع بكثير من فلاسفة الغرب بعد الثورة الفرنسية، إلى الحديث عن “تشيُّؤ” الإنسان، أي تحوّله إلى شيء، وعن “الاغتراب” الذي حصل للمواطن في ظل هيمنة الآلة وثقافة الربح والسرعة والعقلنة المبالغ فيها.

ما يحدث عندنا اليوم هو تحوُّلٌ غير سريع، بمعنى أنه تحوُّل إصلاحي قوي، لكنه لا يصل إلى “الثورية” التي غالبا ما كانت تهدم من أجل البناء، التي غالبا ما يطول أمدُها، وهذا عوض الإصلاح الذي هو الآخر يأخذ وقتا، ولكنه لا يحطّم العلاقات ويكسر القيم والمعايير بتلك الشراهة والسرعة والقوة.

لذا، فإننا نتوقع ألا يحدث خللٌ كبير على مستوى المعايير والقيم، خلافا لما كنا سائرين على دربه، دون هديه قبل نحو ثلاثين سنة.

نحن اليوم في طور الخروج من ضائقة التحوُّل المعقلن، غير المتسرع والذي قد يطول قليلا نحو 7 سنوات أخرى، قبل أن نرى كل ثمار صناعة التغيير تؤتي أكلها كلها بلا كثير من العناء والألم والدم الذي كان سيحدث حتما في الحالتين: الحالة الأولى البقاء على نفس المسار والنهج التدميري الذاتي لمقدرات البلد والمواطن الذي كان منتهَجا قبل الحراك الوطني. الحالة الثانية، في حالة ما إذا كنا قمنا بتغيير “ثوري” متسرِّع وشامل وعمودي وأفقي، وقمنا بتحطيم المنظومة السياسية القائمة، على تقليديتها وثِقلها، من أجل بناء منظومة جديدة غير مضمونة العواقب، سواء من ناحية فعالية المنظومة الجديدة أم من ناحية كفاءتها ولا توجّهها، وكنا سنبدأ الحفر بعد الردم تماما دون التمكن من الوصول إلى القعر.. قعر الماء في بئر”مَهويّة العمق”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    فلنكلف بالمهمة أنظمة وأجهزة صارت متفوقة بمئات المرات على البشر ، والصيانة الاقتصادية هي استبدال المسؤول بالجهاز بحيث يتحكم الجهاز في المسؤول.