الجزائر
"الشروق" تنشر تفاصيل مثيرة في قضية الطيب لوح:

أحكام قضائية بأوامر عبر الهاتف وقصاصات الورق!

نوارة باشوش
  • 15511
  • 12
أرشيف

“لا زلت تؤمنين بتطبيق القانون”… “هذه المرة ليست كسابقيها، لأن التدخل وراءه جهات فوق القانون”… “راحت عليك”.. “المعنية لها قريبة بالمحكمة العليا… عندها لكتاف”، هي عبارات تحمل الوعيد والتهديد لرجل له باع طويل في القانون برتبة رئيس مجلس قضاء الجزائر، إلا أن هذا لم يثن جرأة قضاة بسطاء حافظوا على حقوق “الزوالية” الذين لا حول ولا قوة لهم ونطقوا بأحكام منصفة، دفعوا الثمن لتطبيق القانون الذي يعلو ولا يعلى عليه غاليا.

ويحمل قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء الجزائر، والخاص بقضية وزير العدل السابق الطيب لوح ومن معه، تفاصيل مثيرة بخصوص تعرض القضاة لضغط كبير للتأثير في أحكامهم بأوامر مباشرة أو عن طريق الهاتف أو بالقصاصات الورقية “تحمل رقم القضية” والباقي معروف في دفاتر التأثير على القضاة وممثلي الحق العام.

وخلصت تحريات مصالح الديوان المركزي لقمع الفساد في الملف إلى أن التحقيق من قبل المفتشية العامة لوزارة العدل في قضايا قبل الفصل فيها يحمل ضغطا كبيرا وممارسات رهيبة على القضاة من أجل إصدار أحكام في مصلحة أشخاص من ذوي النفوذ والمال .

دفعت الثمن غاليا لأنني طبقت القانون

وفي تفاصيل بحوزة “الشروق”، صرحت القاضية “كلثوم.ط”، رئيسة غرفة شؤون الأسرة بمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 26 سبتمبر 2019 أنها تعرضت إلى ضغوطات من رئيس مجلس قضاء الجزائر سابقا المدعو “ب.مختار”، في 3 قضايا تتعلق بالحضانة وأنها رقعت تقريرا بذلك بتاريخ 15 أوت 2019 سلمته لمصالح الديوان المركزي لقمع الفساد.

الأول حسب تصريحات القاضية يتعلق بإسناد حضانة طفل بعد وفاة الأم وقالت “استدعاني رئيس المجلس إلى مكتبه، واستظهر لي الحكم الذي كان معروضا على غرفتي وانتقد الحكم المستأنف، حيث تدخل لصالح الجدة، الطرف المستأنف في قضية الحال، وسلم لي قصاصة ورق مدون عليها رقم القضية، وأجبته أنه لا يمكن التعليق على الحكم إلا بعد الإطلاع على ملف الموضوع، وطلب مني إفادته بالتفاصيل والمعطيات، حينها خرجت من مكتبه، وبعد أسبوع تقدم إلي الكاتب وطلب مني استرجاع القصاصة المدون عليها رقم القضية، وقمت بتسليمها له بحضور مستشاري الغرفة، وبعد مدة قصيرة استدعاني رئيس المجلس مجددا إلى مكتبه، وعاتبني، لأنني لم أوافيه بمستجدات القضية، ولما أبديت امتعاضا بتدخله في عملي صعّد من حديثه بغضب ونرفزة”.

أما القضية الثانية التي تدخل فيها رئيس المجلس، بل قام بتهديد القاضية، فهي تتعلق بالحضانة، حيث صرحت بما يلي “أتذكر أن المداولة في قضية الحال كانت يوم الخميس، وفور الانتهاء من المداولة وانصراف المستشارين، جاء إلي كاتب الضبط وقال لي الرايس يريد أن يعرف قرار الغرفة في قضية الطرفين…غضبت من هذا التصرف، وأجبت كاتب الضبط يستحيل أن أخبره بمنطوق القرار قبل الجلسة، وطلبت منه أن يبلغ الرايس أنه إذا أراد ذلك فعليه أن ينتظر إلى يوم الثلاثاء، تاريخ النطق بالحكم، وأضافت “صدمت من هذا التصرف، وأخبرت بذلك مستشاري الغرفة، وأخبرتهما أنه في حالة استدعائي من طرف رئيس المجلس قبل الجلسة فعليهما بمرافقي إلى مكتبه.. غير أن رئيس المجلس لم يفعل ذلك، بل كاتب الضبط وفور خروجي من الجلسة، تقدم إلي وقال لي الرايس يقولك عليك بتوقيع القرار في نفس اليوم، وأضاف بالحرف الواحد “راحت عليك” وأجبته “يدير واش يحب”.

وبخصوص القضية الثالثة تتعلق بتوابع الطلاق وصرحت “استدعاني رئيس المجلس إلى مكتبه وخاض في موضوع القضية المتمثل في بدل الإيجار، معتبرا أن بدل الإيجار المحكوم به من طرف المحكمة مبالغ فيه، وأضاف أن المطلقة لها قريبة في المحكمة العليا “عندها لكتاف”، وأنا خائف من تدخلها، فأجبته “لحد الساعة لم يتدخل لدي أحد، وقلت في مثل هذه القضايا تراعى الحالة المدنية للطرفين، وعلى هذا الأساس تم تحويلي تعسفيا إلى مجلس قضاء بومرداس كمستشارة رغم أنني كنت أزاول صلاحياتي كرئيسة غرفة بمجلس قضاء الجزائر لمدة 15 سنة .

تمت إزاحتي لأنني رفضت الانصياع لأوامر فوقية

بدورها، اعترافات القاضية “ب.سهيلة”، مستشارة بمجلس قضاء البليدة حاليا، لا تقل خطورة عن اعترافات الرئيسة السابقة لغرفة شؤون الأسرة، وأكدت القاضية أن الرئيس تدخل في القضية رقم 18/763 التي جمعت تشندري بوعلام وزروق فريد للتحيز في قضية نادي إتحاد العاصمة، وقالت “التدخل بدأ بتاريخ 2 أفريل 2018 باتصال هاتفي تلقيته من طرف كاتب رئيس مجلس قضاء الجزائر يطلب مني الحضور إلى مكتب الرئيس على وجه السرعة مرفقة بملف القضية موضوع الحديث، حينها أخبرته أن الملف خرج من جدول الغرفة ودخل المرافعة ولا يمكن إحضاره إلى الرئيس، كما أبلغته بتاريخ صدور القرار المعترض فيه ورقمي الجدولة والفهرس ظنا مني بأن التدخل سيقف عند هذا الحد، غير أن الكاتب هاتفني مرة ثانية وقال لي أن الرايس يطلب حضورك، والتحقت على الفور بمكتب الرئيس الذي أخبرني أن الموضوع يتعلق بالقضية وأنه على دراية بما تم الفصل فيه بموجب القرار المعترض فيه، إذ كانت نسخة منه فوق مكتبه، وأعلمني عن صدور أمر بوقف التنفيذ إلى غاية الفصل في الاعتراض على مستوى الدرجة الأولى من التقاضي، وأنا أخبرته بدوري أن القضية استنفذت حقها في المرافعة وأن القضية تمت المداولة فيها من طرف تشكيلة الغرفة”.

وتابعت القاضية “وقد التمس مني رئيس المجلس الإبقاء على القضية في المرافعة والتفكير في إجراء يحول دون الإبقاء على القرار الذي يزعج من وراء التدخل، وأجبته أن أي قرار في هذا الشأن لا يتم إلا بإشراك تشكيلة الغرفة كاملة وعليها إعلام الأعضاء بهذا التدخل، وقال لي أن الأمر يجب أن يبقى سرا بيني وبينك، وبعد أيام حاول إبعادي من خلال تكليفي بمهمة أخرى تتعلق بمديرية الغابات، إلا أنني ذكرته أن الجلسة الخاصة بالملف لم يبق لها سوى يومين، واستدعاني مجددا إلى مكتبه وقال لي عليك بالاستجابة إلى أصحاب القرار والفصل لصالحهم في الملف، وأنا أجبته أن هذا مخالف للقانون، حينها طلب مني إعادة جدولة القضية فذكرته أن هذا يمس بمصداقية العدالة، غير أن رد رئيس المجلس صدمني عندما قال لي بالحرف “لا زلت تؤمنين بتطبيق القانون، أي قانون”، وهددني بعواقب عدم الإمتثال، فأجبته “فصلت في ملفات حساسة والتزمت بتطبيق القانون ولم أتعرض لأية عقوبة”، ليرد علي قائلا “هذه المرة ليست كسابقيها، لأن التدخل وراءه جهات فوق القانون”، وأنا أخبرته أنني “لا أخضع سوى للقانون”، وبعدها قام بتحويلي إلى مجلس قضاء البليدة.

مقالات ذات صلة