-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أخطاء ناصر الدين الألباني في حق الشيخ محمد الغزالي

محمد بوالروايح
  • 4608
  • 0
أخطاء ناصر الدين الألباني في حق الشيخ محمد الغزالي

كثيرا ما يستدل إخواننا السلفيون بهذه المقولة المأثورة عن بعض أهل العلم: “إن لحوم العلماء مسمومة”، والعلماء المقصودون هنا هم مشايخهم وعلماؤهم، أما غيرهم، فلحومهم مستساغة، فللواحد أن يحدث عنهم ولا حرج ويطعن في سيرتهم. في كلام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله- في حق الشيخ محمد الغزالي، ما ينم عن انتقاص ظاهر من شخصية هذا الداعية الموهوب، الذي خدم السنة أكثر مما خدمها المدعون وصلا بها، الفارضون ما يشبه الوصاية عليها تعليما وتدريسا وتبليغا.
ليس من أخلاق العلماء أن ينتقص بعضهم بعضا أو يدعي أحدهم لنفسه ما يقربه من درجات الكمال ويرمي غيره بالضلال أو ينصب نفسه أمينا على السنة ويتهم غيره بمعاداتها وتحريف نصوصها، فقد روي عن يونس بن المصرفي قوله: “ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، فلقيني، فأخذ بيدي وقال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟”.
تعرض الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- لهجوم متكرر وغير مبرر من الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الذي يصفه بأنه صاحب هوى، لا يقيم وزنا للسنة وللأحاديث، يصحح الضعيف، ويضعف الصحيح وينكر المتواتر ويعدل عن الصراط المستقيم ويتبع أقوال أسلافه من المعتزلة، مفتريات لا يتورع الشيخ الألباني عن إطلاقها على الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- من غير بينة، إنما هي شهوة الخلاف التي تغريه وتغري أمثاله بالطعن في مخالفيهم، بدعوى الدفاع عن السنة ومحاربة البدعة.
لا يعترف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله- للشيخ محمد الغزالي بمشيخة، مع أننا نجد في سلسلة شيوخ محمد الغزالي ما لا نجده عند الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الذي لا نعرف له من سلسلة الشيوخ إلا والده وصديق والده محمد السعيد البرهاني وبهجة البيطار.. فقد غلبت العصامية على الشيخ الألباني، الذي تحول من حرفة تصليح الساعات إلى تصحيح الروايات، وليس في ذلك ضير، لولا ما شاب ذلك من غرور ظاهر، ينافي خلق العالم ويجافي ورع المحدث.
سئل الشيخ ناصر الدين الألباني- رحمه الله- عن رأيه في الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- فقال: “أنا أعرف الغزالي قبل أن يثور الثوار عليه، وإنه كان منحرفا عن السنة من يوم كتب مقدمة الطبعة الرابعة لكتابه “فقه السيرة” وذكر هناك منهجه في الاعتماد على أحاديث الرسول- عليه الصلاة والسلام- سواء ما كان منها متعلقا بالسيرة أم بغيرها، وينهج في ذلك منهج أسلافه المعتزلة، فهو لا يقيم وزنا لجهود أئمة الحديث مطلقا فهو بجرة قلم يضرب على حديث متفق على صحته، وبصيحة من حنجرته يصحح حديثا لا يصح عند علماء الحديث.. ولهذا يعجبني ما روي عن عمر بن الخطاب من قوله: إذا حاججكم أهل الأهواء بالقرآن فحاججوهم بالسنة، فإن السنة تقضي على القرآن أو تبين القرآن”. الحقيقة، أنا ألحظ على مرور السنين الطويلة والقرون العديدة، أن علماء المسلمين في الغالب لم يهتموا بدراسة الحديث لصعوبة أمره ووعرة طريقه بالنسبة للعلوم الأخرى، فاستصعبوا هذا العلم وعدلوا عنه إلى الأقيسة والآراء، وكان ذلك من الأسباب القوية في تفرق الأمة وخروج كثير منها ولو في بعض المسائل الشرعية عن السنة المحمدية. وهذا يتجلى اليوم في كتابات الكتاب المعاصرين لا يعنون أبدا بدراسة السنة لأن دراستها ستأخذ منهم وقتا وجهدا طويلا لا يفسح لهم المجال أن يصبحوا مشهورين في المجتمع الإسلامي كما يريدون بمثل ما يكتبون من مقالات طنانة رنانة، لأن علم الحديث يتطلب أن ينطوي الإنسان على نفسه منكبا على دراسة كتب سلفه ليلا وبعد لأي وزمن طويل يمكن أن يقتطف ثمار تعبه وسهره في لياليه. فهذا الرجل هو على طريق المعتزلة، يصحح ما يشاء ولو كان غير صحيح ويضعف ما يشاء ولو كان صحيحا بل ولو كان متوترا لأنه لا علم عنده بالسنة. وهذا ليس منفردا هو به دون الكتاب الآخرين، ولكنه تميز عليهم بالجرأة التي يسميها بعضهم بالجرأة الأدبية، وهي ليست من الأدب بسبيل فهو يكتب ولا يخجل ولا يخشى ولا يخاف ولا يخجل أن يقول أنا تراجعت مثلا عن الاشتراكية، فهو كان يمجدها قديما ثم تبين له ضلالها فيقول أنا تراجعت عنها في هذا العصر أو في هذا الزمن، ويمكن أن يعود إليها أو الله أعلم لأنه لم يكن له ضوابط ولا قواعد شرعية تحصره في مجال وفي سواء السبيل، فأنت تذكر مثلا المقدمة لما ضعف الحديث المتفق عليه حديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليهسلم – باغت بني المصطلق وهم غارون (أي على حين غرة) فأنكر هذا بقوله إن الرسول لا يحارب قوما إلا بعد تبليغهم الدعوة فالحديث ليس فيه إنكار أنه أغار عليهم ولم يكن قد أبلغهم الدعوة ودعاهم إليها، وصحح الحديث: “أحبوني لثلاث” وإن ضعفه الألباني فاشتط أخيرا في هذا الكتاب الذي أثار البلبلة والغوراء تجاهه في ضرب الأمثلة التي تكشف حقيقة أمره، فهو لا يقيم وزنا للسنة من جهة ثم لا يقيم وزنا لأقوال العلماء إذا خالفت هواه والعكس بالعكس إذا وجد هوى عند شخص واحد من الأئمة تشبث به واتخذه له دينا ولو كان بطريق تضعيف حديث صحيح اتفق علماء الحديث على تصحيحه كحديث المعاجر”.
من شروط المحدث، التثبت من الرواية وألا يعتمد في ذلك على ما انتهى إلى سمعه من كلام مبتور يغلب عليه الظن وإن بعض الظن إثم. فمحمد ناصر الدين الألباني يقدم قراءة مغلوطة لكتاب “فقه السيرة”، ويتهم الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- بالانحراف عن السنة ومخالفة إجماع أئمة الحديث. إن الطبعة السادسة المنقحة لكتاب “فقه السيرة”، التي راجع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أحاديثها ونقد أسانيدها ومتونها ومحص قيمتها العلمية تنطوي على أدب جم من الشيخ محمد الغزالي تجاه السنة التي رسمت معالم السيرة النبوية، أدب كله إنصاف وكله اعتراف بعظم مكانة السنة النبوية التي يدافع عنها الشيخ محمد الغزالي دفاع العالمين الذين يريدون أن يقتبس المسلمون من جلال النصوص ما يهذب العقول والنفوس، يقول الشيخ محمد الغزالي في الرد على تعقيبات الشيخ الألباني: “.. وعندما شرعت أكتب سيرة لسيدي رسول الله- صلى الله عليهسلم – اجتهدت أن ألزم المنهج السوي وأن أعتمد على المصادر المحترمة، وأظنني بلغت في هذا المجال مبلغا حسنا واستجمعت من الأخبار ما تطمئن إليه نفس العالم البصير. لكن القارئ سيرى في تعقيبات الشيخ ناصر الدين ما يبعث ريبته في هذا الظن، وهنا أراني مكلفا بشرح المنهج الذي سرت عليه. قد يختلف أهل السنة في تصحيح حديث أو تضعيفه، ويرى الشيخ ناصر- بعد تمحيصه الأسانيد- أن الحديث ضعيف وللرجل من رسوخ قدمه في السنة ما يعطيه هذا الحق، أو قد يكون الحديث ضعيفا عند جمهرة المحدثين، لكني أنا قد أنظر إلى متن الحديث فأجد معناه متفقا كل الاتفاق مع آية من كتاب الله، أو أثر من سنة صحيحة، فلا أرى حرجا من روايته، ولا أخشى ضيرا من كتابته، إذ هو لم يأت بجديد في ميدان الأحكام والفضائل، ولم يزد أن يكون شرحا لما تقرر من قبل في الأصول المتيقنة”.
إن الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- لا يتعامل مع الأحاديث بما يمليه عليه هواه، كما زعم الشيخ الألباني، فإن في ذلك نكوصا عن السنة، لا يختلف فيه اثنان، بل يتعامل معها وفق ضوابط محكمة، من آية مبينة أو سنة صحيحة. وهو المنهج، الذي سار عليه العلماء، وليس فيه ما يعاب أو يتهم صاحبه بمخالفة السنة والخروج على الإجماع.
شتان بين كلام الشيخ الألباني الذي يظن بالشيخ محمد الغزالي سوءا وبين كلام الشيخ محمد الغزالي الذي يفيض أدبا، فالألباني يصنف الشيخ محمد لغزالي في خانة أهل الأهواء، والشيخ محمد الغزالي يدعوه بالشيخ ناصر ويثني عليه ثناء حسنا، والشيخ الألباني يصف الشيخ الغزالي بالجاهل والشيخ محمد الغزالي يصف الشيخ الألباني بالعالم الذي له قدم راسخة في السنة.. فكل إناء بما فيه ينضح.
ومن مفتريات الشيخ الألباني على الشيخ محمد الغزالي إلحاقه بفرقة المعتزلة، مع أن الشيخ محمد الغزالي لا يعهد عنه انتماء إلى هذه الطائفة ولا إلى غيرها، إلا ما كان من قبيل تحكيم العقل في إثبات بعض المرويات وليس في تحكيم العقل جرم مشهود إلا عند من يرونها كذلك من الظاهرية القدامى والجدد.
ومن مفتريات الشيخ الألباني على الشيخ محمد الغزالي اتهامه بالحرص على حب الظهور، ما ينافي الإخلاص الذي هو أساس الدعوة الإسلامية، وهذا الاتهام يكفي وحده ليمثل سقوطا مدويا لعالم بحجم الشيخ الألباني امتلك ناصية علم الحديث، ولكنه يفتقد أخلاق صاحب السنة- عليه الصلاة والسلام- الذي يقول: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث”. (أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!