أخيرا علي بن حاج.. على حق؟
أن تصل متأخرا أحسن من أن تبقى في محطة الانطلاق طول العمر.. هذا ما يمكن أن نصف به التطوّر الذي حققه الشيخ علي بن حاج في تحليله للوضع السياسي في البلاد، عندما اكتشف – متأخرا جدا – -بأن ممارسات المعارضة في الجزائر، لا تختلف عن ممارسات السلطة في ديكتاتوريتها وفي إقصائها للآخر والزعم بأن رأيها وحده الصواب، وهو الذي سبق دائما لسانه عقله، فوقع في أخطاء، أبان من خلالها بأنه لم يفهم النظام ولا المعارضة ولا حتى الشعب، فوقع معه الكثيرون في الخطأ. ورغم أن خير الخطائين هم التوابون، إلا أن بعض الأخطاء قد تؤدي إلى الكوارث، وتصبح فيها التوبة، شأن خاص بين صاحبها المخلوق، والخالق فقط.
الشيخ علي بن حاج تواجد في نفس القاعة، مع الذين ساهموا في إيقاف مسار انتخابي منذ قرابة ربع قرن، أودى بحياة ربع مليون نسمة، فرسم معهم شيئا قد يُشبه أي شيء، إلا السياسة، ولم يجد حرجا في تسميتهم بالإخوان، على طريقة النظرية التي تقول بأن عدوّ عدوي هو صديقي، والشيخ علي بن حاج ثمّن خرجة الرئيس السابق اليمين زروال الرافض لعهدة بوتفليقة الرابعة، ولم يجد حرجا في العزف مع العازفين بالقول بأن الرجل يصلح لمرحلة انتقالية، بالرغم من أن بوتفليقة لم تكن له أي يد في توقيف المسار الانتخابي والزجّ بعلي ورفاقه في غياهب السجون وفي الصحراء، بينما كان زروال من رجالات النظام الأقوياء، والشيخ علي بن حاج كفّر في شريط سمعي الشيعة كلّهم، ثم عاد في حرب تموز 2006 ليعتصم أمام السفارة اللبنانية بالعاصمة للمطالبة بالانضمام إلى صفوف حزب الله من أجل جهاد الصهاينة، والشيخ علي بن حاج يعلم بأن الشعب منح الجبهة الإسلامية للإنقاذ صوته، فاكتسحت الصندوق ليس لبرامجها، وإنما انتقاما من الحزب الواحد الذي كتم أنفاسه، ومع ذلك يصرّ على أن الشعب الجزائري معه، والشيخ علي بن حاج الذي وصف المعارضة والنظام بالعملة الواحدة، يعلم أن رجال الحزب المحظور أيضا لا يختلفون عن البقية، لأن المشكلة في الجزائر أن الشعب صار يعرف الحقيقة كاملة، ويريد تغييرا شاملا، بينما الذين نصبوا أنفسهم نظاما لا يرينا إلا ما يرى، ومعارض مقتنع أيضا أنه لا يرينا إلا ما يرى، لا يعلمون.
في عالم السياسة، وفي البلدان التي يُحاسب فيها الحاكم والمعارض ويستقيل المسؤول كلما ارتكب خطأ في التقدير والتقييم، لا تكفي التوبة ومواصلة العمل السياسي، وإنما الانسحاب من الساحة نهائيا، لأن الحاكم الذي يخطئ اليوم معرض لأن يخطئ غدا، والمعارض الذي لا يقدّر الأمور حق قدرها اليوم، معرّض لأن لا يقدّرها غدا، ولكن عندنا كل المتسببين في الوضع، الذي بلغته البلاد من نظام ومعارضة مازالوا مصرّين على مواصلة الخطأ.. فهم حينا يبحثون عن حلول أخرى ودستور آخر وما يسمى بالانتقال الديمقراطي، وفي غالب الأحيان يخطئون وللأسف، ضحايا هذه الأخطاء هما الوطن والمواطن.
هل يصل علي بن حاج متأخرا الآن بعد اكتشافه بأن المعارضة والسلطة ورفاقه في الحزب المحظور سيان، أم الأحسن له أن يبقى في ذات المحطة طول العمر؟