الجزائر
المُدعّم غائب والمُحسّن و"المطلوع" يستنزف الجيوب

أزمة الخبز تطارد الجزائريين من جديد

نادية سليماني
  • 9888
  • 16
أرشيف

برديسي: توزيع 317 ألف قنطار من القمح على 432 مطحنة والأزمة مفتعلة
قلفاط: ثمن الخبز العادي لا يغطي تكاليفه وخبازون أفلسوا..

تفاقمت أزمة الخبز المدعم والفرينة، رغم تأكيد وزارة التجارة واتحاد التجار والحرفيين، عدم وجود أزمة حقيقية، متهمين أطرافا خفية بافتعالها.. فالخبز المدعم يكاد يختفي من المخابز، مفسحا المجال للمُحسّن. وتجار الجملة يشكون غلاء الفرينة بالمطاحن.. وبين هذا وذاك، وجد المواطن نفسه مجبرا على شراء خبزة بـ 20 دج، والبقية يتدافعون في طوابير أمام المخابز، مباشرة بعد صلاة الفجر.. فأين الخلل؟

تختفي أزمة لتظهر أخرى، وتبقى أسبابها غامضة، فإذا أمسكت رأس الخيط لن تجد آخره أبدا.. وهكذا، هي أزمة الخبز المُدعم الذي اختفى من جُل المخابز. ليجد المواطن البسيط نفسه في دوامة، ورحلة بحث، رغم أن سعره المقنن لا يتعدى 8 دج.
“الشروق اليومي” تجولت بين بعض مخابز العاصمة ومحلات المواد الغذائية، لرصد الظاهرة، وحقيقة تفاجأنا بشبه غياب تام للخبز المُدعم.
في الشارع الرئيسي لبلدية القبة بالعاصمة، لا وجود لخبز بـ 10 دج، وجميع أصحاب محلات بيع المواد الغذائية الذين اعتادوا بيع الخبز، أخبرونا بأن المخابز لم ترسل إليهم الخبز بعدُ، ولا يعلمون مجيئه من عدمه، فلربما يأتي مساء.. وهذا هو الرّدّ الذي يُقابل به المواطنون المستفسرون عن خبز 10 دج، الذي عوّضه التجار بـ “المطلوع” ومُختلف أنواع الخبز المحسن، الذي يصل ثمن أربع خبزات منه حتى 100 دج، بحسب ما وجدناه لدى متجر بالمنطقة.

خُبز 10 دج.. اللي لقاه يسلم عليه !

توجّهنا بعدها، إلى المخابز للاستفسار عن الأمر، فأكد بعض أصحابها أن خبز 10 دج نفد في الصباح الباكر، وآخرون أكدوا توجّههم إلى بيع خبز الشعير والمحسن فقط، بمبالغ ما بين 15 دج و20 دج، “لأن الخبز المدعم يكاد يُفلسهم.. فالفرينة ارتفع ثمنها، وهي أصلا غير متوفرة” بحسب تصريحهم.
وبحي البحر والشمس، وجدنا مخبزة تبيع الخبز المدعم بـ 15 دج، وهو سلوك مخالف للقوانين، ومع ذلك كان التدافع عليه كبيرا. فيما وقفنا على شبه غياب له عبر كثير من محلات التجزئة والمخابز ببلدية حسين داي، مع حضور للخبز المحسن وبقوة، بأسعار ما بين 15 دج و20 دج.
“الخبز العادي لي لقاه يسلم عليه”.. بهذه الجملة، رد علينا مواطنون، اقتربنا منهم لنسألهم في الموضوع.. فأكد الغالبية انتشار ظاهرة نفاد الخبز المدعم قبل منتصف النهار، بحسب تصريح الخبازين، بغية الترويج للخبز المحسن، الذي يدر عليهم ربحا أوفر.

غلاء الخبز يقضي على ظاهرة تبذيره!

عمي أحمد، من حسين داي، يقول إن خبز 10 دج يكاد يختفي من بلادنا، “لأنو ما فيهش الفايدة للخبازين”. فيما استهجن بعض محدثينا بيع خبز على أساس أنه محسن، بينما هو عبارة عن “خبز فرينة مرشوش بقليل من السميد من فوق”.
وهو ما جعلهم ينددون بهذا السلوك، ويطلبون تدخل السلطات الأمنية المختصة ومصالح الضرائب ومديرية التجارة للتحري والتحقيق.
وببلدية أولاد فايت، أكد لنا بعض قاطنيها، غياب الخبز المدعم تماما، وبحسرة تتخللها الطرافة، قالت عجوز: “بالريق الناشف باش نلقى خبز 10 دج، كل ما نروح نشري يقولك كاين سكوبيدو وكاين تاع سميد، والعادي رجع كي الدواء زوج خطرات في النهار!!”.
وقال مواطن من حسين داي، إنه بعد ظفره بثلاث خبزات عادية، إثر طابور طويل وعريض أمام المخبزة، تفاجأ بصاحبها يطلب منه مبلغا إضافيا، بـ 15 دج، زيادة على الثمن الذي دفعه، لأنه خبز سميد؟؟”.
إلى ذلك، أكد مواطنون من ولاية عين الدفلى لـ “الشروق” أن 90 بالمائة من المخابز أغلقت الأحد الماضي، بسبب انعدام مادة الفرينة. مع العلم أن الولاية تمتلك مطحنتين اثنتين.
وبولاية البليدة، وجّه سكان منطقة موزاية، رسالة إلى مديرية التّجارة، مستنكرين ما اعتبروه “ظاهرة جديدة واستغلالا من طرف المخابز”، وبحسبهم، عندما تقصد المخابز مساء، يخبرك صاحب المخبزة بوجود خبز 15 دج فقط، مع الغياب الكلي للخبز المدعم.
وفي الجهة المقابلة، رحّب البعض برفع الدعم عن الخبز، ومبررهم، هو القضاء على ظاهرة تبذيره المنتشرة في بلادنا، “فالآن من كان يشتري 10 خبزات، ويرمي بعضها في المزبلة، سيضطر إلى شراء ما يحتاجه فقط”. وآخرون قالوا: “حان الوقت لأن تشمر النساء عن سواعدهن ويحضرن الخبز في البيت”.

برديسي: الأزمة مفتعلة

في الموضوع، أكّد مدير الديوان الأمين الوطني المكلف بالإدارة والوسائل العامة، بالاتحاد العام للتجار والحرفيين، عصام برديسي لـ “الشروق”، أن أزمة الخبز والفرينة ظهرت إلى العلن مباشرة بعد عيد الأضحى المبارك، ولكن بعد التنسيق بين اتحاد التجار والحرفيين ووزارة التجارة، تم القضاء على هذا المشكل، “لنتفاجأ مجددا، بظهور إشاعات على الفايسبوك حول تجدد الأزمة، ولمسنا بعضها على أرض الواقع”.
ليفنّد إشاعة ندرة مادة الفرينة، قائلا: “317 ألف قنطار من القمح تذهب إلى 432 مطحنة عبر الوطن، وبعضها كان في عطلة تقنية، ما أحدث بعض التذبذب في التوزيع، ولكن الأمور عادت إلى طبيعتها لاحقا”.
وكشف المتحدث عن وجود جهود تبذل من قبل وزارة التجارة واتحاد التجار بمختلف مكاتبه الولائية، لمعالجة أي خلل، مفندا تورط أي جهة في الإشكال، سواء من الخبازين أم المطاحن أم تجار الجملة الذين مارسوا بعض الضغوطات وتم التصدي لهم.
وقال برديسي: “يوجد مضاربون وأطراف مجهولة، تسعى لتأجيج الأوضاع وضرب استقرار البلد، بإحداث بلبلة في مادة الخبز الأكثر استهلاكا في بلادنا”، نافيا في الوقت نفسه، وجود رفع لأسعار الخبز المدعم.

استياء من قلة كمية الفرينة المُوجّهة إلى المخابز

فيما أبدى تجار الجملة استياءهم من الاتهامات الموجهة إليهم، حول رفع أسعار الفرينة، حيث قال لنا المنسق الولائي للاتحاد العام للتجار والحرفيين، بأولاد جلال محمد تيتيلة: “إن المطاحن هي التي رفعت أسعار الفرينة، فـ 50 كلغ من مادة الفرينة نشتريها من المطاحن الخاصة بـ2000 دج ونبيعها بـ 2250 دج، مع احتساب تكاليف النقل، فيما تباع بالمطاحن العمومية بـ 1950 دج، ولكننا لا نجدها هنا أصلا.. لأنها شبه محتكرة”، على حد قوله.
بينما أكّد رئيس الاتحادية الوطنية للخبازين، قلفاط يوسف، لـ”الشروق”، أن غالبية المخابز لم تعد تحضّر الخبز العادي، بسبب قلة الربح، واعتبر أن جميع المواد الأولية المندرجة في تحضيره زاد ثمنها، من الخميرة إلى محسن الخبز والملح وكذا تكاليف الكهرباء والغاز، إضافة إلى رفع أجور العمال.. “وهذا ما جعل الغالبية تفضل بيع الخبز المحسن، انطلاقا من 15 دج، لربح بعض الدنانير، وإلا سيواجهون الإفلاس”. وقال إن الدولة تدعم مادة الفرينة فقط، ولا تدعم بقية المواد الداخلة في تحضير الخبز العادي.
وعن وُجود غلاء في مادة الفرينة لدى تجار الجملة، أكّد قلفاط أن هؤلاء يبيعون انطلاقا من السّعر الذي يشترون به من المطاحن، “ولهم الحق بدورهم في هامش ربح”، على حد قوله.
وحمّل محدثنا مسؤولية تذبذب توزيع مادة الفرينة إلى المطاحن، التي تُعطي كل مخبزة كوطة لا تتعدى 30 كيس فرينة أسبوعيا، ويقول إنها كمية غير كافية، لأنها تنفد في مدة يوم أو يومين فقط، مطالبين برفع هذه الحصة.

مقالات ذات صلة