-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رسوم عمرها 70000 سنة

أسطورة البقرة الباكية في الطاسيلي

فاروق كداش
  • 4081
  • 3
أسطورة البقرة الباكية في الطاسيلي

وسط الكثبان، تنتصب الصخور، منذ آلاف السنين، تروي في صمت آلاف الحكايات، عن الإنسان والصحراء والماشية.. يوميات رجال، كانوا هناك يوما ما ثم صاروا رمادا تذروه الرياح، فاختلطت أرواحهم بالرمال… الشروق العربي، تسرد لأول مرة قصة من قصص الصخور، وعن بقرة ذرفت دمعا فصارت أسطورة.

في الأطلس الصحراوي وفي الصحراء الوسطى، لا سيما في الطاسيلي والهڤار، حفر ونقش الإنسان حياته، ولخصها في رسوم، بقيت قائمة منذ الأزل. آلاف النقوش، تؤرخ لفترة دخوله العصر الحجري الحديث. وكيف لا يرسم وينحت، وهو قد اخترع الزراعة وصقل الأدوات، وبدأ في الاستقرار، وتحول من اقتصاد الافتراس إلى اقتصاد تربية الحيوانات والإنتاج.

وارتبط الفن الصخري الصحراوي ارتباطا وثيقا بهذا التغير الجذري في حياة الإنسان. ولا تخلو أي جدارية صخرية من تمثيل الماشية، خاصة الأبقار.

ومن أكثر النقوش رمزية “لطاسيلي ناجر” بلا شك نقش ماشية “تيغرغارت”، المعروفة أكثر باسم البقرة الباكية.

دمعة في عين بقرة

تقع هذه اللوحة الجدارية على بعد 25 كيلومترا من جانت، على جدار جبلي منبسط. إنه يمثل قطيعًا صغيرًا من الماشية. ويعتبر المتخصصون في الفن الصخري أن هذا النحت السطحي على خلفية أحادية اللون، هو تحفة فنية لا مثيل لها في العالم. فالأخاديد المحفورة في الصخر، بتقنية عالية، أضفت بعدًا آخر أكثر واقعية، وكأن الماشية تكلمك وتروي لك معاناتها.

وتعتبر جدارية البقرة الباكية من أقدم الجداريات في الطاسيلي ناجر، إذ يزيد عمرها عن 70000 عام. وسرها الذي حير الخبراء هو تصوير النحات للماشية، وفي زاوية عيونها دمعة، كأنها ماسة متلألئة. وأثارت هذه الدموع جدلا كبيرا، واختلفت الآراء، وتعددت التأويلات، ونسجت حولها الأساطير. يقول البعض إن التفسير علمي بحت.. فعندما تفتقر الأبقار إلى الماء، تفرز عيونها سائلًا… ووفقًا للبعض الآخر، فهي مجرد بقعة ملونة على وجه هذه الفصيلة من الأبقار. لكن أصحاب الخيال وناسجي الحكايات سيخبرونك بأن هذه الأبقار كانت تزور نبع ماء سريا في موسم الجفاف، حيث يصبح العثور على الماء أمرا نادرا.. فتذرف الأبقار دموعا حزنا على ما آلت إليه حال المنطقة.

التفسير الأقرب إلى التصديق، أن الفنان الذي نحت هذه التحفة الفنية أراد أن يؤرخ لفترة الجفاف، الذي حول المنطقة من سهول وحقول إلى صحراء قاحلة، ويستعيد تراجيديا شح الوديان والجداول، وتفاقم ظاهرة التصحر. وتجدر الإشارة إلى أن التصحر لم يحدث بشكل مفاجئ، بل بسبب التقلبات المناخية، التي أدت إلى تناوب فترات رطبة وأخرى قاحلة على المنطقة.

توأمة فرعونية صحراوية

بقرة الطاسيلي ناجر، ليست الوحيدة في العالم التي تذرف الدموع. ففي تابوت ملكة مصرية، من الأسرة الحادية عشرة، وهي الملكة خويت، يبرز رسم ضخم بقرة تذرف دمعة، أثناء حلبها، بينما ربط صغيرها إلى قدمها.. ويجسد هذا الرسم قمة الألم الذي قد يسببه الإنسان للحيوانات، فهاهو يحلب البقرة بأنانية، بينما يتأوه صغيرها جوعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • مرابط

    أشكرك مقال رائع ٫ مازالت البقرة تبكي وتضرف دمعا و كانها رسالة عبرى الزمن و القرون٫ تريد ان ترويَ ابناء هذه الأرض قوةً و حريةً من حليب صنع ضرعها٫ استمدت عناصره من هذه الأرض الطاهرة التى ليست غربيةً و لا شرقيةً و لا و لا ...حبينها جزائرية٠٠٠جزائرية

  • مرابط

    أشكرك مقال رائع ٫ مازالت البقرة تبكي وتضرف دمعا و كانها رسالة عبرى الزمن و القرون٫ تريد ان ترويَ ابناء هذه الأرض قوةً و حريةً من حليب صنع ضرعها٫ استمدت عناصره من هذه الأرض الطاهرة التى ليست غربيةً و لا شرقيةً و لا و لا ...حبينها جزائرية٠٠٠جزائرية

  • ناصر

    البقرة رمز الخصب والنماء والخير في الحضارات القديمة، وقد جاءت كذلك في القرآن الكريم في سورة يوسف، حيث رأى الملك الفرعوني سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف، وفسرها يوسف عليه السلام بسنوات الجفاف بعد سنوات الخصب ، ولذلك بالبقرة الدامعة فعلا ترمز للجفاف في المنطقة وبداية تحولها إلى صحراء بعدما كانت مروجا وأنهارا وغابات ..