-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بين بئر مراد رايس ووادي كنيس ‪وادي المرأة المتوحشة ravin de la femme sauvage…

أسطورة العروس الهاربة من حرملك الداي حسين

فاروق كداش
  • 3805
  • 2
أسطورة العروس الهاربة من حرملك الداي حسين
ح.م

وراء كل مكان امرأة عاثت جمالا في قلوب الحائرين، ووراء كل اسم حكاية أنثى تعذبت وتكبدت لوم اللائمين… هي قصة مكان يسكننا ونسكنه، حمل الأسطورة، وخلد الحقيقة.. ففي واد “ذي زرع”، عاشت امرأة مزجت الأساطير بالروايات… الشروق العربي، تبحث في أحراش وادي المرأة المتوحشة.. وهذه شهادات من مر من هناك يوما ما.

يقع وادي المرأة المتوحشة “رافين دو لافام سوفاج”، بين بئر مراد رايس ووادي كنيس.. وجاء في مذكرات المؤرخ إيف سالينياك، موقع هذا الوادي، في 1879، من الجهة العلوية لحديقة التجارب، يمكنك أن تسلك طريقا من بئر مراد رايس إلى غاية مصطفى السفلى (الاسم الذي كان يطلقه الفرنسيون على جزء من العاصمة)، على يمينك الطريق المؤدي إلى فونتين بلو وساحة شامانوفر. أما على اليسار، فستغامر بحياتك في واد الخميس، أو ما يعرف بـ”رافين دي لافام سوفاج”… ولكن، من هي هذه المرأة؟ وما هي حكايتها؟ وهل هي حقيقة أم سراب؟… الواقعيون، سيدافعون عن نسختهم من القصة، وهي أن لافام سوفاج هي امرأة فرنسية، كانت تدير مطعما ومقهى يرتاده الرجال من كل مكان، ولأنها كانت جامحة ولا تعرف للخجل طريقا، سمي المكان باسمها.

عروس هاربة من الحرملك

المستشرقون من المؤرخين يربطون هذا المكان بفترة ما قبل الاحتلال الفرنسي، وبالتحديد في زمان الداي حسين.. هذه المرأة كانت عروسا أوروبية شابة، سافرت مع زوجها على متن سفينة في شهر عسلها. غير أن قراصنة جزائريين أسروا كل من كان على متن السفينة، واقتيدت العروس إلى حرملك الداي، بينما زج بزوجها في غياهب السجن.. ويقال إنها رفضت أن تصبح جارية للداي، فعذبت إلى حد الجنون. وبعدها، استقرت في بيت ولي صالح، وكانت محل احترام الجميع، رغم جنونها، وكان الناس يقدمون لها كل ما تحتاجه من طعام وملبس… هذه الرواية العجيبة، ظهرت في صفحات جريدة إيكو دالجي، الصادرة سنة 1955.

مأساة أم

أما القصة الأكثر واقعية، التي رواها الكثير من الفرنسيين، فهي تروي مأساة أرملة فرنسية، ترك لها زوجها المتوفى ولدين، سهرت، رغم ظروفها المزرية، على تربيتهما بشكل لائق. وفي عيد الفصح (الذي يحتفل فيه المسيحيون بذكرى عودة المسيح إلى الحياة”، خرجت الأم مع ولديها للتجول في أرجاء الوادي، وأعدت البيض والخبز والماء… غير أن ولديها، وفي غمرة لهوهما، سقطا في الوادي السحيق، ولم يظهر لهما أثر… فبقيت هذه المرأة تبحث عن فلذتي كبدها، مدة طويلة، رغم استسلام الأهالي… وتركت بيتها، ليصبح هذا الوادي، الذي ابتلع أغلى ما تملك، هو مأواها، وأصبحت تصطاد الفرائس لتقتات، وتقطف فواكه الأشجار، لتسد جوعها… وشيئا فشيئا، فقدت هذه الأم الثكلى ما تبقى لها من إنسانية، وفقدت صوابها… يقول الفرنسي ميشال دوتاي، في مذكراته: “عشت في الرافين دو لافام سوفاج مدة 25 سنة، وكل ما أعرفه، هو ما كانت والدتي تقصه لإخافتي، عن امرأة مات زوجها في حرب 1870، التي دارت رحاها في منطقة اللورين، بين الفرنسيين والبروسيين، وتاهت في الغابة تبحث عن ولديها الضائعين”. وأضاف: “كان صوت صراخها وأنينها يمتدان على مسافات طويلة، وفي أحد الأيام ساد الصمت في الوادي… لقد ماتت المرأة المتوحشة”.

واد مخلد في متحف فرنسي

خلد الرسام الفرنسي، أوغوست رونوار، وادي المرأة المتوحشة (الذي كان يطلق عليه الأهالي “واد المرا تاع الغابة”)، في لوحة انطباعية، سنة 1881، أثناء وجوده في الجزائر، وقد كان الرسام يقطن في فيلا، غير بعيد عن البحر.. وقد وقع رونوار في حب هذا المكان العجيب، وهذا ما ذكره في رسالة أرسل بها إلى زوجة صديقه، بول برنارد، كما جاب بفرشاته العديد من المناظر، الممتدة من العناصر إلى ساحة أول ماي… وتقبع هذه اللوحة الخالدة حاليا في متحف أورساي بباريس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • واحد فهم قواعد اللعبة ، شايف وساكت2

    ...واصل أخي كشف هذه الحقائق التاريخية بذكاء لكي يفهم شعبنا أننا لم نكن فقط ضحايا ولكن علينا ما علينا فنتصالح مع أنفسنا ومع ماضينا كي نبني مستقبلنا مع غيرنا من شعوب العالم دون عقد،لك كل احترامي وتقديري.

  • واحد فهم قواعد اللعبة ، شايف وساكت1

    بارك الله فيك أخي،هذا المقال جيد لأنه يكشف بعضا من الملامح الخبيثة لمن حكمونا لقرون طويلة قبل الإستعمار الفرنسي والذين كانوا سببا مباشرا لاحتلالنا بسبب أعمال القرصنة ضد الأوروبيين والتي لم يكن لها ما يبررها في العلاقات الدولية آنذاك ،فبمجرد حدوث الثورة الصناعية وتأثيرها المباشر في ظهور تفوق عسكري أوروبي علينا قرروا أن يردوا لنا الصاع صاعين،فيجب توعية شعبنا باظهار الأسباب الحقيقية لاستعمارنا لكي لا نطغى على غيرنا مستقبلا بسبب بعض النصوص من تراثنا الإسلامي ،ويجب أن نتعلم جميعا أن نتحمل مسؤولية أعمالنا وليس تبريرها بالأكاذيب مثلما علمونا أن سبب إستعمارنا حادثة المروحة المضحكة وبسبب الديون ...