الشروق العربي
ما بْقَى فوق السُّورْ...غيرْ سيدي مَنْصُور

أسطورة ولي محڤور كلم الأشجار فأعدمه الداي

فاروق كداش
  • 3140
  • 11
ح.م

عندما تمتزج الحقيقة بخيالات الناس تنبثق الأساطير من إرهاسات الراوي..قصتنا مرثية شعبية بطلها إسكافي صالح ارتبط مصيره بمصير شجرة معمرة… وحين تحزن الأشجار تتساقط أوراقها وتذبل فروعها ويحن جذعها ويئن… ومن فاه لفاه تناقل الناس قصة الولي الصالح سيدي منصور مول الشجرة.

سيدي منصور  بدأ حياته كإسكافي بسيط  يعمل في بكد في محل صغير عند الباب الجنوبي لمدينة سيدي عبد الرحمن،   وخاصة باب عزون بفضل بركاته وقدراته العجيبة وتؤكد عجائز البلد أن سيدي منصور كانت لديه قدرة لم يسبقه فيها أحد، وهي الحديث مع الأشجار خاصة شجرة دلب عملاقة كانت تتوسط مدخل المدينة يقال أن عمرها فاق خمسمائة سنة وقد خلدتها عدة رسوم للمستشرقين تشهد علي عظمتها.

كانت هذه الشجرة تخبر سيدي منصور بكل شاردة وواردة تحدث في المنطقة، وكان بفضل همهمتها التي لا يفقهها أحد من الإنس والجان مطلعا على أحوال الناس ومشاكلهم وهمومهم وكل ضائقاتهم المالية والعائلية.

إختلفت الروايات حول سنة وفاته فهناك من يؤكد كالمستشرق هنري كلاين أنه تم إعدامه شنقا سنة 1645م من طرف السلطة العثمانية، في ساحة السوق الكبير قرب دار العزيزة المقابلة لجامع كتشاوة العتيق…فبعد أن ذاع صيته في الأرجاء تعرض سيدي منصور لوشاية مغرضة أدت إلى إعتقاله وحبسه وصدور حكم بالإعدام في حقه دون ذنب أو جرم وقيل أنه أصيب بصدمة يوم محاكمته فلم يتمكن من الدفاع عن نفسه وهو ذاك الشخص الخجول الذي وهب جل حياته لخدمة الآخرين رغم ظروفه المادية المزرية.

 منصور يعود هذه الليلة
في تلك الليلة الدهماء، صمتت الحجارة عن الكلام واستعدت أبواب المحروسة لتطبق مصرعيها على مشهد مهيب لجثة سيدي منصور الإسكافي وهي معلقة… باب الوادي تنهدت وباب الجديد تأوهت وباب الدزيرة تحسرت وباب سردين تدمرت أما باب عزون فسلمت مفاتيحها للقائد كي يودعها عند الداي شخصيا حتى مطلع الفجر ولم يسمع صوت سوى حركة الحراس المناوبين أو النوباجية وصليل سيوف العساكر فوق القلاع والحصون… وفي وسط هذا الصمت المهيب سمع صوت أنين سيدي منصور وهو يهمس في كل البيوت” مايبقى في السور غير المسكين منصور”…

في صباح اليوم التالي استيقظت المحروسة على هذا الحدث العجيب وأرتقى منصور الإسكافي البسيط إلى مصاف الأولياء الصالحين ذوو الكرامات والبركات…وسارع السكان لإكرام الميت بدفنه في دكانه تحت شجرته المباركة.

قرنين من الحزن 
بعد قرنين من الزمن بدأ الناس ينسون قصة سيدي منصور إلى أن حدث أمر عجيب في سنة 1846م، حين قرر المستدمر الفرنسي  نقل رفات الولي الصالح، ، إلى مقبرة ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، قبل تهديم سور باب عزون و ما يحيط به من عمران .. طيلة قرنين من الزمن سكتت شجرة الدلب بعد أن رحل منصور، بقيت رغم لوعة الفراق تظَلَّلَ بائعي الصابون الأسْوَد التقليدي، الآتين من جبال عمَّـال (البويرة) الذين أتخذوا من محيطها سوقا ….غير أن قواها خرت وتلاش جلدها حزنا على الشيخ الصالح فذبلت أوراقها وجف لبها، وماتت  الشجرة بعد سبع سنوات فقط من رحيل رفاته  سيدي منصور، واجتثت بعدها لتباح حطبا ب١٢٠ فرنكا وماتبقي منها أصبح “دربوزا” في إحدى عمارات بور سعيد….ولم تبق من ذكراها سوى تلك اللوحة التي رسمتها السويدية مدام شولتز.

مقالات ذات صلة