-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أشباه الرّجال وأشباه الرّحال

سلطان بركاني
  • 45686
  • 1
أشباه الرّجال وأشباه الرّحال
الأرشيف

روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: “سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرّحال (السيارات في زماننا)، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهنّ كأسنمة البخت، العنوهن فإنهنّ ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم”.

كأنّ هذا الحديث الذي ذهب غير واحد من أهل العلم إلى تحسين إسناده، يصف واقعا يعيشه كثير من الرّجال في هذا الزّمان؛ رجال استعبدتهم المظاهر الفانية، همومهم لا تتجاوز المآكل والمراكب، لا يحملون من الرّجولة إلا اسمها، ولا حظّ لهم من مقتضياتها التي أصبحت في عرف كثير منهم شيئا من الماضي الذي ذهب إلى غير رجعة، بل ربّما أصبحت عند بعضهم تخلفا لا يؤسف عليه!.

قديما كانت الرجولة مبادئ وأخلاقا ومواقف، تجعل صاحبها يأبى الدنية في دينه ودنياه؛ يجوع ولا يذلّ، ويصون عرضه عن أن تمتدّ إليه أيدي العابثين، لكنّها أصبحت في هذا الزّمان وصفا يكتب على بعض الوثائق وتلوكه الألسن ولا يجد له أثرا في واقع كثير من الرّجال.

رجال لا يُعرف عنهم ثبات على مبدأ أو كلمة أو وفاء بعهد أو وعد، يميلون مع كلّ ريح ويتلوّنون مع كلّ موقف ويلبسون لكلّ مناسبة لباسها.. رجال تنازلوا طوعا عن قوامتهم في بيوتهم وما عادوا يأمرون بمعروف أو ينهون عن منكر أو تتمعّر وجوههم أو تطرف أجفانهم.. رجال تخرج نساؤهم وبناتهم كلّ يوم ليجُبن الأسواق ذهابا ومجيئا، من دون حاجة أو قصد، تخرج الواحدة منهنّ كلّ صباح بعد أن تقضي وقتا ليس بالقصير أمام المرآة وتصبغ وجهها بكمّ هائل من الأصباغ، وبعد أن تتعطّر، وتلبس من اللّباس ما يصف ويشفّ، وما يغري العابثين بإتباع النّظرة النّظرة، واتباع الكلمةِ الكلمة.. تنتقل من محلّ إلى محلّ، ترقب ما استجدّ في عالم الألبسة، وترصد الأسعار، وربّما تأخذ مع الباعة وتردّ في الألوان والمقاسات والأنواع والأسعار، فإذا ما حان وقت الغداء اتّجهت إلى محلّ من محلات الوجبات السّريعة، لتتناول وجبة الغداء بعيدا عن بيتها، وربّما لا تجد حرجا في مزاحمة الرّجال أمام طاولات البيتزا المنتشرة في الشّوارع، غير مكترثة بنظرهم إليها، وغير آبهة بحاجة أفراد أسرتها إلى وجودها في بيتها.

رجال كأشباه الرّجال، لا يعبؤون بما تقترفه نساؤهم وبناتهم في حفلات ومواكب الأعراس، حيث يخرجن وهنّ في كامل زينتهنّ أمام الرّجال الأجانب، بألبسة ضيّقة شفّافة تظهر السّيقان والنّحور والظّهور، ويركبن في المواكب التي تجوب الشوارع والطرقات قد أسدلن الشّعور، ويتعرّضن للتّصوير وربّما لكلمات الغزل من طرف الشّباب العابثين.

رجال لا يجد الواحد منهم أيّ غضاضة في أن يخلو الطّبيب بزوجته أو ابنته، ولا يجد أيّ حرج في أن تكشف زوجته عند طبيب رجل مهما كان الأمر متعلّقا بأمراض النّساء الخاصّة، مع وجود الطبيبات!.

رجل تجد الواحدَ منهم قد أغناه الله براتب أو مدخول يستره ويكفيه، لكنّه مع ذلك يسمح لزوجته بالعمل في مكان لا يليق بها كامرأة مسلمة، تضطرّ فيه إلى التذلّل للرّجال والخلوة بهم، لأجل عرض قليل.

العجيب في أمر هؤلاء الرّجال أنّ كثيرا منهم –وكما أخبر الحديث- يُصلّون في المساجد ويحضرون صلاة الجمعة كل مرة، لكنّهم ليس لهم من الصّلاة إلا ظاهرها وحركاتها، وليس لهم من دخول المساجد إلا مظاهر ربّما تمتزج بشيء من الاستعلاء، خاصّة عند أولئك الذين يحرصون على الحضور إلى المساجد بسياراتهم الفارهة ليكسروا قلوب الفقراء، وربّما يصل الأمر ببعض هؤلاء المترفين من أشباه الرّجال أنّهم يحضرون مع جنائز أقاربهم أو معارفهم إلى المساجد، وينزلون عند أبواب بيوت الله ولا يدخلونها، لأنّهم لا يصلّون! يمكثون في سياراتهم ينتظرون خروج الجنائز، ليرافقوها إلى المقابر بسياراتهم الفارهة، ويدخلوا أسوارها وهم يعبثون بمفاتيح سياراتهم ويداعبون نظاراتهم، غير آبهين بتلك القبور المتجاورة التي استوى سكانها فلا فرق بين غنيّ ولا فقير ولا صغير ولا كبير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Ahmed Miloud

    أمــــاه لا تســـــــأليني عن الرجال في هذا الزمــــان

    كفـــــــاك صرخـــــــات تطلقيهــــــا إلى العنــــــان

    لو كان معتصم في زمـــــــاننا لوقف نـــدّا للطغيـــان

    لكن ترحمي على من تواروا في التراب ولفّهم النسيان

    كـــــانوا أندادا.. رجـــــــالا.. تحدّوا أعوان الشيطـان

    صــــلاح الدين ليس بعيـدا عنك كوني في أمـــــــــان

    حمــــل المنبر وســـــــــار بجيش خـــــافه الطغيــان

    ومن قبل معتصم لبّـــــــــى نــــــداء حرائر الزمـــان

    فهبّ في نخوة العرب تجللهـــــــــا حلاوة الإيمــــــان

    إلى بــــلاد الروم يؤدّب المتســــــوّل الجبــــــــــــان