-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أصلِحِ المكيّف وحدّثنا عن نعيم الجنّة!

سلطان بركاني
  • 4247
  • 0
أصلِحِ المكيّف وحدّثنا عن نعيم الجنّة!

يتداول رواد مواقع التّواصل الاجتماعيّ قصّة طريفة تحمل بين طيّاتها رسالة يراد توجيهها إلى صنف من الأئمّة والدّعاة والوعاظ الذين يميلون إلى التّخويف وكثرة الحديث عن النّكال والعذاب والهلاك، مفادها أنّ أحد الأئمّة أراد استثمار واقعة تعطّل المكيّف في مسجده، ليذكّر جموع المصلّين بحرّ وعذاب جهنّم، فقاطعه أحد المصلّين قائلا: “أصلح المكيّف، وحدّثنا عن نعيم الجنّة”.

هذه القصّة لاقت إعجاب جُلّ من قرأها وأصبحت عند بعض المتحمّسين لانتقاد الأئمّة والدّعاة حجّة يحتجّون بها على كلّ داعية أو إمام يخوّف النّاس ويحدّثهم عن النّار وما يوصل إليها من الأقوال والأعمال والأحوال، ولا شكّ في أنّ الإمام الذي تتحدّث عنه هذه القصّة المرسلة ملوم إن كان قد قصّر في إصلاح المكيّف لأجل أن يجدها فرصة لتذكير المصلّين بعذاب جهنّم، وملوم أيضا إن كان جُلّ حديثه عن النّار من دون التفات إلى الحديث عن الجنّة وما يقرّب إليها من الأقوال والأعمال والأحوال؛ فلا يجوز ولا ينبغي أبدا أن ينقطع الإمام للحديث عن النّار وعن عذاب الله ونكاله بالعصاة والمتمرّدين، من دون أن يقابل ذلك بالحديث عن جزائه لعباده الصّالحين ورحمته بعباده التّائبين المنيبين، كما لا يليق له أن يستغلّ الأحوال والنّوازل التي تذكّر بعقاب الله لينذر النّاس، وينسى الأحوال والمناسبات التي تتجلّى فيها رحمة الله وفضله؛ فلا يستغلّها في تحبيب الخالق –سبحانه- إلى خلقه؛ فأفضل الدّعاة والأئمّة هو من يحبّب الله إلى عباده، ويحبّب إليهم طاعته ويبغّض إليهم معصيته ومخالفته.

هذا هو الأصلح والأصوب، لكنّ واقع الأمر يدلّ على أنّ بعض المسلمين في هذا الزّمان أصبحوا لا يطيقون أيّ حديث عن العذاب وعن النّار، وتشمئزّ قلوبهم منه مهما وجدت الدّواعي له، ولو أنّ إماما من الأئمّة ألقى تسعَ خطب عن الجنّة ونعيمها وعن رحمة الله، ثمّ خطب بعدها خطبة واحدة عن النّار وما فيها من عذاب ونكال، لوجد من يستنكر عليه حديثه عن النّار وربّما من يحدّثه بقصّة الإمام والمكيّف. السّبب في هذا الواقع أنّ كثيرا من النّاس أصبحوا يريدون أن يطرق أسماعَهم ما يعجبهم لا ما ينفعهم، ويريدون أن يسمعوا من يحدّثهم عن السّلعة من دون أن يحدّثهم عن الثّمن، ويحدّثهم عن الجزاء من دون أن يحدّثهم عن العمل.

ما ينفع العبد المؤمن هو أن يزاوج في قلبه وحاله بين الخوف من عقاب الله والرّجاء في رحمته، ويكون الخوف والرّجاء كالجناحين لا يستغني عن أحدهما؛ يحدّث نفسه بالخوف من الله ومن عذابه كلّما رأى منها ميلا إلى الغفلة أو حدّثته بالمعصية، حتى ترعوي ولا تتجرّأ، وإن حصل ووقع في معصية أو خطيئة وأراد الشّيطان أن يقنّطه من رحمة الله وعفوه ذكّر نفسه برحمة الله، وبما أعدّه لعباده التائبين المنيبين مهما بلغت خطاياهم وعظمت ذنوبهم.

الله العليم بما يُصلح عباده، تحدّث في كتابه الكريم عن النّار بالقدر نفسه الذي تحدّث به عن الجنّة، وأنذر عباده المؤمنين عقابه كما بشّرهم برحمته، فهل يجوز للدّاعية أو الإمام أن يهمل الآيات التي تتحدّث عن العذاب والعقاب، لا يقرأ بها في الصّلاة، ولا يفسّرها للنّاس، ولا يستشهد بها في دروسه وخطبه؟.

إنّ هذا النّهج الذي ارتضاه بعض الدّعاة الجدد، باقتصارهم في كلماتهم ومواعظهم على الحديث عن محبّة الله لعباده وعفوه عنهم، من دون أن يربط الحديث بوجوب التّوبة إلى الله والسّعي لإصلاح الأعمال والأحوال، ومن دون تعريج –في بعض الأحيان- على الحديث عن غضب الله من عبده المصرّ على معصيته المعرض عن التوبة والأوبة؛ هذا النّهج يخالف النّهج القرآنيّ، ويؤدّي إلى ميل النّاس إلى الإرجاء وإلى الاغترار برحمة من قال جلّ شأنه: ((نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيم)).

المنهج الوسط يقتضي أن يكون الداعية حكيما في وعظه، فيخوّف بالله متى ما استدعى الأمر ذلك، ويبشّر برحمة الله وفضله متى استدعى المقام البشارة، ويركّز في غالب دروسه ومواعظه على تحبيب الخالق إلى عباده وعلى الرّبط بين السّعادة والالتزام بدين الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!