الرأي

أعزائي الجواسيس!

قادة بن عمار
  • 4761
  • 4

أغرب تهمة تم إطلاقها خلال الحملة الانتخابية الحالية، تلك التي طالت لجنة المراقبين الدوليين، حين قال بعض المنتسبين للأحزاب المشاركة في الانتخابات، أن أعضاء اللجنة يتجسسون على الجزائر، ويسألون المواطنين في أمور بعيدة عن شؤون الفوط؟!

التهمة تثير الضحك حتى القهقهة، والمثير للاستغراب فيها أن مطلقها إسلامي متنوّر، هو عبد الغفور سعدي، كما صدّقها الجميع حتى خصوم الإسلاميين، وطبعا لجنة مراقبة الانتخابات برئاسة محمد صدّيقي، لم تجد بدا من التقاطها وتكبيرها والتهليل لمكتشفها، رغم أن اللجنة تحولت إلى غرفة تسجيل فقط، ولم يتلاءم اسم رئيسها صديقي مع مصداقية الدولة في الحفاظ على السير الحسن للانتخاب، بدليل مئات الطعون التي تم رفعها دون المساس بأصحابها حتى الآن؟!

رئيس بعثة المراقبين الدوليين، خرج على الملأ وقال: “لسنا جواسيس” ومما لم يقله، أن هذه العقلية الجزائرية “البيريمي” في تحويل كل ما هو دولي إلى مؤامرة، عفا عنها الزمن (من زمان)، خصوصا أن الشعب الذي يرفض الانتخاب، ويقاطع الصناديق منذ فترة طويلة لم يفعل ذلك بسبب المؤامرات الأجنبية، وإنما فرارا من المؤامرات الداخلية والنفاق السلطوي والتبعية الحزبية، والانتهازية السياسية؟! من قال أن المراقبين الدوليين “جواسيس”، تحجّج بأنهم أرادوا تغيير المنكر.. برافو.. لكن أليست هنالك منكرات أخرى تستحق التغيير باليد لا بالقلب، وهي نفسها اليد التي تتسلم مساعدات الدولة من ميزانية الشعب الزوالي لتسيير حملة انتخابية باردة، تنتهي في آخر المطاف بتعيين برلمان من قومتُبّع؟!

المراقبون باتوا جواسيس في عيون بعض السياسيين والمرشحين، لأنهم سألوا عن سبب تفشي البطالة، ودور العسكر في السياسة، ومبررات الهجرة السرية والإضرابات، وأيضا الشركات الأجنبية ومدى حريتها في النشاط.. وهو حقا اكتشاف عظيم، لابد من تسجيل فكرته لدى الديوان الوطني لحقوق المؤلف “المخرِّف”، فقد كان من الأجدر على هؤلاء المراقبين أن يسألوا عن مباراة بلوزداد وسطيف، وسبب غضب الحراش، وسر التقلبات الجوية في عز الربيع، حتى يريحوا ويستريحوا؟!، بل نقول، حمدا لله أن المراقبين لم يسألوا عن سعر البطاطا والطماطم، وسرّ توجه الجزائريين للجلبانة والفول، وعدم الإكثار من اللحوم، بل ولماذا لا يأكل البعض هذه الأخيرة، إلا في الأعياد، ولماذا يصوم عدد كبير من الجزائريين خارج شهر رمضان فحينها، يصبح المراقبون بهذه الأسئلة أخطر من الجواسيس، لا بل وربما يمهدون في عيون البعض لاحتلال أجنبي ويعبّدون الطريق لقوات الناتو.. هذا إن كان أصحاب نظرية المؤامرة يعتقدون فعلا بأننا مستقلون؟!

مقالات ذات صلة