-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أعظم معلّمة في عصرنا

أعظم معلّمة في عصرنا

“إن الدروس التي نشهدها اليوم، وإن كانت تكلّف الشعب الجزائري آلاف الأرواح، إلا أنها أرواح لن تضيع… ثورة الجزائر لا تطهّر الخونة فقط، إنها تطهّر العالم، ولا تدافع عن نفسها، إنها تدافع عنّا، لا تعلّم شعبها فقط، ولكنها أيضا تعلّمنا”.

هذه الكلمات المفعمة بأسمى معاني التضامن والمشاركة الوجدانية كتبها أمير القصة العربية، يوسف ادريس، وهي تعكس موقف أغلب المثقفين المصريين من حرب التحرير، لكن يوسف إدريس جمع في احتضانه للقضية الجزائرية بين القول والفعل، بين القلم والرشاش. ففي عام 1961 التحق بجبال الجزائر، وحارب العدو الفرنسي، وأصيب بجرح. وبعد الاستقلال قلّده الجزائريون وساما عرفانا منهم بكفاحه إلى جانبهم. ولمّا عاد إلى بلده، مصر، كانت سمعته كمقاتل قد سبقته إلى هناك، وزادته شهرة على شهرة.

كان التزام يوسف ادريس بقضايا عصره ووطنه العربي ومصر واضحا جليّا في رواياته وقصصه ومقالاته الصحفية، بالرغم من أن كميّة الحرية المتاحة في الوطن العربي لا تكفي حسب قوله: »كاتبا واحدا لممارسة فعل الكتابة بالجسارة التي يحلم بها«. هو أيضا لم تكفه فانتزعها انتزاعا في مسار حافل بالآمال والانتكاسات في آن واحد. حلم بممارسة التمثيل، لكنه فشل. اختار الطب مهنة، لكن ضاق بها ذرعا، فانصرف إلى الكتابة وتبعاتها والعمل السياسي وتقلّباته. شارك في مظاهرات الطلبة ضد الاحتلال البريطاني، وانتقد الملك فاروق، ولم تكن علاقته بالضباط الأحرار دوما على ما يرام، وقاده خلافه مع عبد الناصر إلى السجن، ومنعت أعماله من النشر. كانت حرب أكتوبر بمثابة عودة الروح والوعي معا بالنسبة إليه. ثم تبّخرت الروح وزال الوعي بعد سياسة الانفتاح التي انتهجها السادات وقادته إلى التوقيع على اتفاقيات كامب دفيد. قبل التحاقه بالثوار الجزائريين كتب يوسف ادريس في سنة 1957 مقالا بعنوان »أكبر معلّمة في العصر الحاضر« يقول فيه:

)… بعد مائة وثلاثين سنة من السلخ والاجتثاث والتشويه بقيت القومية الجزائرية العربية سليمة كأنصح ما تكون الروح(. ثم ينتقل إلى تلخيص الدروس التي قدمتها الثورة الجزائرية للعالم، نقتبس منها ما يلي:

ــــ تعلّمنا ثورة الجزائر أن كلّ الشعب قادر على الثورة. لم يكن ثّمة أفقر ولا أضعف ولا أكثر تشتّتا وأقل عددا من شعب الجزائر، ولكن ما أروع المعجزة ما أروع الثورة

ــــ وتعلّمنا ثورة الجزائر أن الجماهير حين تتلقّف شعار الثورة، فلا يمكن أن تكشف عن ثورتها إلا بتحقيق المطلب الذي قامت من أجله

ـــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر أن الثورة ليست كمّا ولكنها كيف، أيّ شعب ثائر مهما صغر عدده ممكن أن يواجه الاستعمار العالمي كلّه، طالما هو في حالته الثورية تلك. والمثل تحت يدنا. الثورة في الجزائر يحاربها المعسكر الغربي كلّه بأسلحته وجيوشه وأحلافه، ومع ذلك يشتد أوارها ويزداد

ــــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر أن الشعب الثائر هو الذي سينتصر. فأعداؤه جيوش والجيوش ممكن أن تفنى، ولكن الشعب لا يفنى، الجيوش ممكن أن تسلّم إذا انتهى رصاصها مثلا، ولكن الشعب لا يسلّم، الجيوش تحارب بأجر، والشعب يحارب بايمان…

ـــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر أن ثورة شعب ما لا يمكن أن تظل محليّة أبدا. إنها تعدي وتنتقل. إن الشعوب المجاورة لا ـتقف أبدا مكتوفة الأيدي، حين تدرك أن الشعب الذي يجاورها يحارب أعداءه. إن في ثورة الجزائر متطوّعين من كل بلد عربي… ومن أوروبا، إن السلاح الذي يحارب به شعب الجزائر يتدفق على الجزائر من كل مكان، وجرحى الجزائر يعالجون في مستشفيات كل البلدان، والمال للثورة يسيل من مصر وسوريا والعراق ولبنان والسعودية واليمن وإيران والصين وروسيا وحتى من فرنسا ذاتها…

ــــ وعلّمتنا الثورة الجزائر أن الارهاب لا يقضّ الثورة، هو يزيدها اشتعالا، والشهيد حين يسقط يدخل في صفوف الثوار كل مشيّعيه

ــــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر أن لا تخدعنا المظاهر، فالعدو واحد ولكنه يوزع الأدوار، والمنطق واحد ولكن الكلمات أحيانا تختلف. والعدو يلبس أحيانا ملابس الأصدقاء، والعدو المتنكر أخطر من العدو السافر…

ـــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر أن العدو سافر لا أخلاق له.. وأن فينا بطولات لا تعدّ ولا تحصى. وجميلة بوحيرد، بنت العشرين، لازالت كلماتها تدوّي وترعب جمهورية فرنسا الرابعة

ــــ وتعلّمنا الثورة في الجزائر حقيقة لا تحتمل الشك. النصر لنا، لأننا الأقوى لأننا الأبطال، لأننا المؤمنون، لأننا لا مفر لنا من النصر، النصر أو الفناء. والقوة تعلّمنا أن الشعوب لا تفنى، فنصرنا إذن أكيد…

يوسف ادريس

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • kaddour

    هكذا ..و إلا فلا !!. يعيدنا مقالك المتميز إلى جادة الصواب ..لقد مللنا الإجترار و التزحلق المبتذل على واجهة الأحداث .إلى درجة أن أسماء حسبناها كبيرة ؟! ، باتت تكرر أنفسها حدّ السأم و الكلل..إننا نحتاج إلى كتابات ناضجة راهنة، منتجة وذات أثر، تضيف ..أو تزعزع اليقينبات الباهتة و " الينبغيات " السطحية . تفيد بحق ـ تثير الفضول و تغري بالقراءة و تطهّر الذوات المنكسرة . تضع حدّا للنفاق ! . شكرا أستاذنا على الإفادة . وسلمت للكتابة .

  • amine

    واصل استاذ .ويبزغ نور الحكمة على اكوام الرداءة فتصير هشيما....تسكت اتموت.

  • الجيلالي سرايري

    سلمت وسلمت يداك يا أستاذنا الكريم هكذا تكون الكتابة نرجو المزيد من القول المفيد

  • kaki

    والعدو يلبس أحيانا ملابس الأصدقاء، والعدو المتنكر أخطر من العدو السافر...حزب فرنسا
    انهم وراء تخلف الجزائر وهم يلهثون وراء المصالح الخصية ويتبون التشارات الت تأتيهم من الأم الئيمة فافا
    لاكن دوام الحال من المحال وكما تلد البؤة الشبل تخلف النار الرماد والله شاهد على الأفعال ويعلم النوايى

  • yasmin

    تحية طيبة أستاذ بوباكير..
    يعيدنا مقالك السابر غور البطولة و تفاصيل الانسان العميق على هذه الأرض التي يجتهد الجميع تقريبا إلى خلحلة ثقتها بنفسها..فما أروع هذه الكلمات التي تعيد لنا الإيمان بأننا قادرون أكثر من أي وقت مضى --بما يميزنا من وعي وطيبة وتفتح -على أن نمضي بعيدا لبعث هذه الأمة الخامدة منذ عصور ..