الشروق العربي
"الأي الأي و الواي واي "..

أغاني تضرب الأخلاق تحت الحزام ..أو حينما يصبح ذوقنا هو خصرنا وليس سمعنا!

الشروق أونلاين
  • 22905
  • 33

تحولت شوارعنا اليوم الى ملهى كبير، أو بالأحرى أحياءنا، فأنت لست مجبرا على السهر في الملاهي الليلية لكي تستمع إلى جديد فنانين الملاهي، بل قف على قارعة الطريق وسوف يأتيك خبرهم يقينا، والغريب أنها انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم، لقد أسسوا للفن الهابط من أعلى المنابر، أشعلوا ثورة ضد كل ما هو أصيل من الفن القديم والحديث منه، انقلاب ضد الأخلاق والفضيلة، بالرغم من أنها مجرد نهيق وعواء لا معنى لهما، تبدأ حديث نفس وتنتهي صيحات جديد كل سنة، وتتداول بشكل رهيب حتى في أعراسنا، وترى الناس يتمايلون معها من دون فهم ولا علم، ويرددونها مثنى وثلاث ورباع في الأزقة والطرقات، فبالله عليكم خبرونا ماذا يقصد الواحد منهم في قوله “واي واي.. هاي هاي” والله هي أقرب إلى النباح منه إلى الغناء.

“كلمات لا معنى لها تضرب الأخلاق تحت الحزام”

إن ظاهرة التغني والرقص على الإيقاعات الموسيقية هي ظاهرة قديمة قدم الغناء، لكن حينما يرقص الواحد منا على نغمات لا تحمل معنى ولا مصدرا فالأمر أعظم، ترى الناس يهزون بطون من غير فهم لكلمات هذه الأغاني، لكن لنغمات تخاطب أجسادهم العارية من كلا الجنسين رجال ونساء، رافعين رؤوسهم وأيديهم إلى السماء كأن بهم مس من الشيطان، أو سكارى وما هم بسكارى، ولكنهم تحت تنويم كلمات الفسق والمجون، لقد كنا بالأمس نحضر إلى “دي دي” ووصلنا اليوم إلى “هاي هاي، واي واي”، والغريب أنه حتى من أصدرها وله النسخة الأصل فيها لا يعرف معناها، بل يقول الكثير منهم أنها مجرد دندنة في ساعة خلوة، وحديث نفس في لحظة نشوة، كلمات لا تحمل معنى حتى لصاحبها، لكنها رقّصت منا من به صمم، حطمت كل الأرقام القياسية في الاستماع والحضور، فلا حظ لمن تأخر في شراء تذكرة لحضور جديد هذا الذي قذف به الملهى من تحت الأضواء الملونة إلى ضوء النهار في مختلف الفنادق الفاخرة، ترى الشباب يتدافعون ويتسارعون نحو أبواب مسدودة بالأجساد، يتصايحون بأعلى صوت وكأنه يوم الحشر، من أجل التمايل والرقص إلى أوقات متأخرة من الليل، بل حتى الساعات الأولى من الصباح، لكلمات لا معنى لها، بل مجرد نباح وعواء، يتقنه البعض من هؤلاء الشباب لا غير.

هاي هاي… واي واي… لا معنى لها لكنها آخر “صيحة” سنة 2014

انتشر اليوم جديد هؤلاء الفنانين وحاشى للفن أن يكون مصدرهم، ظاهرة أخرى تعدت “التبراح” إلى “الواي الواي الهاي الهاي”، لا ندري ما تحمله من معنى، لكنها حققت السبق وكانت الأفضل في هذه الأيام وآخر صيحة 2014، يرددها الصغير والكبير، بل أصبحت مطلوبة في كل الأعراس والحفلات من كبار الفنانين ورددها الكثير منهم طلبا ورغبة من جمهوره، تبدأ بكلمات تقذف بالحق من أعلى القمم، بجمل نتنة عفنة، تخاطب الغريزة وتنشر الباطل، تهين كل حق ورفيع، وقائم على الأخلاق، تنشر الرذيلة والفسق والتعدي على الحرمات جهارا نهارا، من دون خوف ولا وجل، أسست لمجتمع أصبح لا يفرق بين الحق والباطل، كيف لا وقد أصبحت ظاهرة “الهاي هاي الواي الواي” تغنى في الأعراس العائلية، ويرقص على أنغامها لا على كلماتها الأخ مع أخيه والأخت مع أخيها وفي جو عائلي قيل أنه محترم مبني على الحياء والحشمة، لا تنتصب على حق ولا دعوة إلى خير، تبدأ فسقا وتنتهي رذيلة وبين هذين فجور، ألا فبؤسا لأصحاب الضلال.

تزوجت أغنية الراي من المجون… فأنجبت ولدا عاقا مشوها اسمه “واي واي هاي هاي”

عند الحديث عن مجال الغناء بالعقل وليس بمعايير أخرى نجد أنه إلى أبعد زمن بالأمس كانت أغنية الراي نظيفة الكلمات، تتواصل مع المستمع بالكلمات وليس بالإيقاع، بكلام نظيف أسري، تغلب عليه معالجة الكثير من المواضيع بطريقة سلسة، حتى وإن كانت هناك استثناءات للعديد من الفنانين الذين اتخذوا نغمة المجون والفسق منبرا لهم، لكن في حدود ليس مثلما نلاحظه اليوم، بل كانت تسوق في الملاهي والسهرات الخاصة لأهلها من دون الانتشار الواسع في المجتمع، أما اليوم وللأسف بالرغم أن أغلبها دعوة للفجور والفسوق آلا أنها تسوق في كل الأماكن وفي متناول الكثير من الأشخاص، حتى الأطفال منهم وهذا للتكنولوجية الحديثة.

ولعل السبب في هذا يرجع إلى الفراغ الذي تمر به أغنية الراي والركود الذي مس الكثير من الفنانين في هذا الطابع، فعندما يقف “هواري بن شنات” متفرجا من دون تأليف ولا توزيع للأغاني التي كان يغنيها بالأمس والتي لم تخدش الحياء ولم تخاطب الغريزة علنا، فإنه حتما سوف يأتي من يحل محله حتى وإن كان الخليفة من صلبه، وغريبة هي الدنيا، فما حققه “هواري بن شنات” في سنوات العز لأغنية الراي بأغانيه الهادفة النظيفة التي كانت امتدادا للأغنية الراوية الملتزمة، حققه اليوم ابنه “محمد بن شنات”، لكن من على منبر مختلف منبر “الهاي الهاي والواي واي”، لم يكن امتدادا لأغنية الأب والحفاظ على سيرته، لكن نقطة انكسار وانقلاب، بل سار في الاتجاه المعاكس، فشتان بين من يخاطب العقل والفضيلة وبين من يخاطب الغريزة والشهوة، بل الأغرب ليس كونهما مطربين من طابع واحد، بل أكثر من هذا من تحت سقف واحد، جمعتهما قرابة الأب لابنه وفرقتهما الحنجرة.

الأستاد ب. رشيد مختص في علم الاجتماع: “لا توجد دراسات صحيحة لتوريث العادات والتقاليد بين الأجيال”

عن فرض هذا النمط الاجتماعي الملاحظ اليوم في الجزائر، على غرار انتشار تقبل ظاهرة الاستماع إلى هذه الأغاني حتى ولو كانت تعارض عاداتنا وتقاليدنا، يرجعها الأستاذ رشيد.ب إلى الأسباب التالية “أننا كمجتمع لو نلاحظ الرابطة بين الأجيال نرى أن هناك فوارق كبيرة بينها ويرجع في الأساس إلى الفراغ الموجود بينها، هذا ما سمح بظهور ثقافات جديدة حلت محل الثقافة القديمة مع مرر الأجيال حتى ولو كانت على حساب عادات وتقاليد المجتمع ككل، إضافة إلى هذا أن الجزائر تفتقد لمدارس لتأسيس نمط اجتماعي معين يتماشى مع الحدود الخلقية والاجتماعية الموجودة في المجتمع من أجل تمرير رسالة الجيل السابق إلى الجيل الذي يليه على حسب الدين والعرف الخاص بالمجتمع مع مراعاة التحضر المفيد، بالإضافة إلى هذا يوجد هناك ضغط حاصل داخل المجتمع نتيجة لتضارب الأفكار، حيث ظهر هناك تعصب بين هذه التكتلات، كل حسب مذهبه، من متشدد من جهة وآخر متفتح، نتج عنه ظهور هذه الأخلاق كاعتراض على أفكار المذهب الآخر حتى ولو على حساب الكثير من مقومات المجتمع”.

مقالات ذات صلة