أكرم من الجزائر؟
قالت المديرة العامة لمعهد الأمم المتحدة للتكوين والبحث، أن الجزائر صارت مثالا للعطاء الحاتمي، من خلال مساهمتها في تكوين البلدان النامية، ومنحها مليون أورو على مدى ثلاث سنوات، رغم أن أحسن جامعة في الجزائر، تقبع في المركز خمسة آلاف، بسبب انعدام التكوين والبحث العلمي في معاهدها، وكانت الجزائر قد مسحت قرابة المليار دولار من ديون أربعة عشر بلدا إفريقيا، أغدقت عليهم من أموال النفط على مدار عقود، رغم أن رد الجميل لم يلمسه الجزائريون من هاته الدول حتى في لعبة كرة القدم، كما قدمت في السنة الماضية، قرضا بخمسة ملايير دولار لصندوق النقد الدولي بنسبة فائدة مجهرية لم تزد عن الواحد بالمئة، رغم أن ذات الصندوق لم يرحمها عندما كانت تطلب القروض بعد الأزمة النفطية التي عاشتها الجزائر في الثمانينات، فكان يملي عليها شروطه المالية والسياسية وحتى الثقافية، ويعطيها ويجبرها على الرد بأضعاف مضاعفة.
وقدمت الجزائر في كل هذا “الكرم الحاتمي”، حججها، التي لم تستشر فيها لا اختصاصيين ولا برلمانيين وأحيانا من دون علم أحد، فقالت مرة أنها تساهم في تنمية القدرات التكوينية والتسييرية للبلدان النامية، وقالت تارة أخرى أنها ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها من أجل تحقيق الترقية الاقتصادية، للدول الإفريقية الفقيرة، وفي كل الأحوال تريد أن تُظهر الصورة البيضاء الناصعة للجزائر الثرية والكريمة التي تساعد الأفارقة، وحتى الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي بما أعطاها الله من رخاء.
لا جدال في أن للسياسة رجالها، ولعالم الاقتصاد والمال أيضا رجاله، وهم أدرى بشعاب هذه العوالم، ولا جدال في أن الأوروبيين والأمريكيين ينفقون هم أيضا سرا وعلانية على مختلف التنظيمات، ومنهم من مسح ديونه تجاه الجزائر، ولكن كل هاته التضحيات المالية كانت وتبقى بثمن، والمواطن الجزائري الذي لم يؤخذ برأيه عندما قرّر الوزير الأول بذل الملايير في خرجاته إلى مختلف الولايات ولم يؤخذ برأيه، والجزائر تقدم العطايا السخية للأمم المتحدة وللدول الإفريقية الفقيرة ولصندوق النقد الدولي، من حقه أن يلمس نتيجة هذا الكرم الذي تفضلت به الجزائر على جيرانها وعلى منظمات دولية ومالية وُجدت أصلا لتساعد الدول وليس لتتلقى المساعدات من بلد عمره لا يزيد عن نصف قرن، ومصدر ماله إلى زوال، وأنينه السابق لم يسمعه أحد.
قد يكون حاتم الطائي الذي يُضرب به المثل في كرمه اللامحدود قد ذبح جواده لأجل أن يطعم عابر سبيل طرق باب بيته، فقيل “أكرم من حاتم”، ونخشى أن تكون الجزائر قد سارت على نهجه مع عابري السبيل الذين كسروا الباب ولم يطرقوه، فذبحت الفرس والفارس لأجل إطعامه، وسيقال “أكرم من الجزائر”، لأن المنّ يجب أن يكون دائما بثمن، وحتى الصدقات التي يقدمها المؤمنون لبيوت المال وللفقراء والمساكين، إنما هي قروض حسنة، الرجاء منها أن تتضاعف، مصداقا لقوله تعالى: “إن المصدقين والمصدقات، وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم، ولهم أجر كريم”.