-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أكل “رأس المال” بشهية وشراهة

أكل “رأس المال” بشهية وشراهة

إنها بداية النهاية المادية، بعد أن بلغنا النهاية المعنوية منذ سنوات، هذا هو التفسير الوحيد للأرقام المرعبة التي تفضل بها السيد محمد لكصاسي، محافظ بنك الجزائر، الذي أكد تبخر ستة عشر مليار دولار من احتياطي صرف العملة الصعبة، الذي قارب المئتي مليار دولار في سنوات جنون أسعار النفط، وظل النظام يفتخر به، ويعتبره من الإنجازات الكبرى التي حققها بعبقريته. ومن دون التألق في المتتاليات الحسابية والهندسية، فإن المنطق يقول، بأن بقاء سعر النفط في هذا المستوى “الخمسيني”، والغياب المؤكد لأي حل، وتواصل التبذير بين بلاهة بعض المسؤولين وصرف المال العام لشراء السلم الاجتماعي من بعض المتسمّرين في كراسي الحكم، سيجعل النظام “يلحس” قصعة احتياطي العملة الصعبة، في ظرف وجيز وقد ندخل عام 2016 بيد فارغة، وأخرى لا شيء فيها، ما عدا الريح التي زرعناها بمشاريع وهمية، انكشف أمرها مع أول حقيقة اقتصادية تمرّ بها البلاد.

وبعيدا عن المشاريع الكثيرة من سكن وطريق سيّار، التي يقولون بأنها الإجابة الإسمنتية، عن السؤال المحيّر عن مصير مئات ملايير الدولارات التي جنتها الجزائر من طوفان النفط الذي تهاطل عليها في العشرية الأخيرة، وللأسف لا يوجد منها أي مشروع أمة وضع البلاد على سكة النجاح ولو في مجال حيوي واحد، فإن الفخر الوحيد الذي جعل السلطة تمشي في الأرض مرحا، مختالة فخورة، ولا تغض من صوتها، هو التحدث عن مسح الديون، التي ورثتها من زمن الشاذلي بن جديد، والقول بأنها تملأ الخزانة بقرابة مئتي مليار دولار، وتزعم بأن هذا المسح للديون، وهذا الزرع للاحتياطي بالعملة الصعبة، إنما تحقق بعبقرية المسيّرين، ونخشى بعد عاصفة أسعار النفط المنهارة، أن تكون السنة الأولى لمسح هذا الاحتياطي الضخم من العملة الصعبة، والسنة الثانية لزرع دين لا يقل عن الدين الموروث، من زمن الشاذلي بن جديد، وحينها سيعيد التاريخ نفسه ماديا، ولكن الثمن المعنوي قد يكون باهظا جدا.

علماء وأطباء مكافحة المخدرات، يقولون بأن المدمن إذا افتقد السموم البيضاء التي يتعاطاها من أجل نسيان تيهانه، بتيهان آخر، يلجأ لتعاطي أي نوع من السموم الخطيرة التي تُقرّبه من الانتحار، وهو ما جعل السلطة تبحث عنالغاز الصخريكمخدر جديد، يدخلها ويُدخل معها المواطن في تيهان آخر، بعيدا عن العلاج الصحيح.

 

وعلماء الاقتصاد يقولون بأن التنمية الهشة المبنية على الصدفة، حتى ولو ناطح بنيانها السحاب على مدار عقود  طويلة، وجمعت ملايير الدولارات، ستأفل مع أول كسوف لمصدرها المالي المبني بالكامل على مصدر باطني، لا قطرة جهد فيه. وبين هذا وذاك، يبقى أغرب ما في الحكاية، هو أن الدولة والشعب معا مازالوا يجلسون القرفصاء، حول مائدة الطعام، كما يجلس المعزون حول طبق الكسكسي، يلحسون القصعة، وهم لا يعلمون بأنهم يأكلون الآن طبقرأس المالبشهية وشراهة.. عفوا يأكلون طبق عزائهم؟   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • سامي

    ربي يهديك ما يروحوا حتى ياكلونا بلحمنا ودمنا وعظمنا

  • صالح

    عسى أن تكرهوا شيئا وهوخير لكم.

    من لم يسطع التفكبر وفت الرخاء،لاشك انه في وقت الشدة يصير لديه إغلاق تام.
    إن المخزون سينتهي في شهور معدودات وعندها يتبن الخيط الابيض من الخيط الاسودمن الفجر وسيغادر الانتهازيون مراكزهم طواعية ،ويتولى بعد ذلك أهل العلم والصدق والاخلاص والصلاح مراكز الريادة والقيادة فيتنفس الشعب الصعداء ويخلع روح الاتكال ويشمر للعمل الجادفيكدويجتهد ويغير ما بالنفس فيفتح الله عليه بركات من السماء والارض
    قال تعالى ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض..

  • sociologue

    أنا معك أخي و الشعب يتحمل المسؤلية كذلك..لم يسأل أحد نفسه لما البنزين و كل شيء رخيص في الجزائر؟ لم يحافظوا على وطنهم و يظنون أن الغرب يخدمهم حبا فيهم...و الله العظيم لو خيرت بين تغيير النظام أو الشعب لقلت غيرو الشعب..لأن كل حكومات العالم فاسدة و لكن ليس كل شعوب العالم بلهاء و جهلاء بكل شيء..نحن الشعب سبب مرض الجزائر و هلاكها مع أنني ضد العديد من سياسات الرئيس ولكن لنسأل أنفسنا هل الرئيس يحكم ألمانيين؟ لا بل جزائريين