-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ألم يأنِ للعرب أن يعودوا إلى رُشدهم؟

ألم يأنِ للعرب أن يعودوا إلى رُشدهم؟

العرب اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن يعودوا إلى رشدهم فيجدوا مخرجا لتشتُّتهم وهوانهم، أو أن ينتهوا كأمّة بكل تُراثها ومواصفاتها المشتركة لتأخذ كل دولة فيها سبيلها وتُمكّن لخياراتها وسياساتها بعيدا عن كل الذي ورثناه من معاني الانتساب المشترك.
أمّا أن ندّعيَ أنّنا أمّة واحدة، مصيرنا واحد، وهمُّنا واحد، وعدوُّنا واحد، وهدفنا واحد، ثم نعيش واقعا مُغايرا تماما بل ومُضادا لكل هذه المعاني، فهذا أمرٌ لا يمكن أن يستمرّ.
لا أحد يعتقد أنّ الأمّة العربية يجب أن تكون خاضعة لسلطة واحدة، أو نظام سياسي واحد، كما أنّ السَّواد الأعظم من أبناء الأمّة العربية مقتنع أنّ عناصر التّقارب فيها أكثر من غيرها من الأمم، والتّقارب بين أبناء هذه الأمّة يجب أن لا يكون تقاربا مبنيا على الجانب العرقي، بل يجب أن يكون الجانب الثقافي هو قاعدته وإطاره.
والتّقارب بين أبناء الأمّة العربية أيسر سبيلا وأقرب تحقيقا نظرا لما تتميّز وتتّصف به هذه الأمّة من المحيط إلى الخليج، فلسانها واحد، وتاريخها واحد، وامتدادُها الجغرافي واحد ومتكامل، وأهدافها في التّنمية والاستقرار مشتركة بل ومتكاملة، كما أنّ موقع الأمّة يُشكِّل رمّانة الميزان، والممرّ الإجباري للتّبادل العالمي بين الأمم في المجالات كلها تقريبا.
وهذه العناصر مع استحضار الجانب الرّوحي في المنطقة ومحيطها يجعل إيجاد خارطة طريق واحدة ممكنا جدا.
وأهم شروط نجاحه زوال نزعة الاستبداد والاستعباد، وضرورة الالتزام الصّارم بالحرية المسؤولة على المستوى الفردي والجماعي.
إذَا بُنِي التقارب العربي بقناعة حقيقية على هذه القواعد مشفوعا بآلية دائمة للتشاور الجاد الذي لا تُفسده المجاملات ولا الأنانيات، فإنّ ذلك سيشكل بداية حقيقية لمستقبل واعد.
إنّ تجربة الجامعة العربية يجب أن لا تُعاد، لأنّها صياغة استعمارية بلسان عربي، كما أنّ منظمّة التعاون الإسلامي صيغت وأُنشأت في حينها للهروب من تحمّل مسؤولية تضييع أمانة المسجد الأقصى.
فلا المسجد تحصّن من الاعتداء، ولا القدس تحرَّرت من نير الإستدمار الصهيوني، والسبب أنّ هذه التكتلات التي يستتر وراءها المسؤولون للهروب من فشلهم أو التمكين لسلطانهم أو تنفيذا لأجندة غيرهم. وعليه لم تُحقِّق أي تمكين لأمّتَيْ العرب والمسلمين بل كانت فضاءات لتشغيل الإطارات وصياغة بيانات التّنديد أو التّمجيد حسب الحالة والطلب، وقد أفضى كل ذلك إلى مزيد من الإحباط والتّرهُّل وفقدان الأمل.
ولعلّه من المفيد -إذا تعذّر هذا التّقارب على مستوى الدول- أن نبدأ بما هو أيسر عمليا وأنفع للأمّة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1 / فتح العلاقات عل مصراعيها بين الجامعات ومعاهد البحث في العالم العربي، وتشجيع حركة الاتّصال بين الأساتذة والطّلبة والباحثين لتبادل المعارف والخبرات والنشر.
2 / فتح مجال مماثل بين وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ودرجاتها من منظور مساير للتّطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الأمّة وعلى مستوى العالم.
3 / فتح المجال على مصراعيه أمام تنظيمات المجتمع المدني بمختلف مجالات نشاطاتها على أن تكون هذه التنظيمات خالية من أيّ تعاون مشبوه مع من يماثلها في العالم الغربي خاصة.
4 / فتح المجال بقدر ما تسمح به الظروف الاقتصادية بين تكتلات ومشاريع رجال الأعمال خاصة في مجال الصناعة التّحويلية والأنشطة الزّراعية.
لعلّ بعض هذه الإجراءات تمهِّد إلى انبعاث جديد واعد ومحيي للأمل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!