-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تقضي يوما كاملا في قلب المدرسة العليا للبحرية

أمام التهديدات الجديدة.. القوات البحريّة جاهزة

نوارة باشوش
  • 18738
  • 0
أمام التهديدات الجديدة.. القوات البحريّة جاهزة
أرشيف

وضعت قيادة القوات البحرية التابعة للجيش الوطني الشعبي مخططا خاصا يتماشى مع تهديدات البحر الجديدة، يعرف بـ”النظام العالمي للاستغاثة والسلامة في البحر”، والذي يدخل ضمن استراتيجية القيادة العليا للجيش في حماية مياهنا الإقليمية بسواحلها الطويلة، والتي تزيد عن 1200 كيلومتر، من كافة أشكال التهديدات والمخاطر المتعلقة بالأمن البحري.
أعطت وزارة الدفاع الوطني أولوية كبيرة لتطوير المنظومة الدفاعية البحرية من أجل حماية مياه الجزائر الإقليمية وحدودها البحرية، وذلك من خلال تطوير وتزويد القوات البحرية الجزائرية بأحدث الوسائل والمنظومات التي تسمح لها بالتصدي لمختلف المخاطر المتعلقة بالأمن البحري على غرار القرصنة والسطو على السفن، الهجرة السرية، الإرهاب، تجارة البشر وجميع أشكال الاتجار غير الشرعي في سياق متوسطي متوتر ومليء بالرهانات والتحديات الأمنية الجديدة، ويتجلى ذلك من خلال “السهر على الرفع المتواصل لقدراتها العملياتية والقتالية والتكوينية لقواتها، باعتبارها مكونا أساسيا في منظومتنا الدفاعية وعاملا حاسما من عوامل حماية مياهنا الإقليمية”.
“الشروق” ولجت إلى “عالم البحر العسكري” وعاشت يوما كاملا في أحد أهمّ أقطاب القوات البحرية، “المدرسة العليا للبحرية”، الواقعة على مرمى حجر من ميناء المرسى في تمنفوست، شرق الجزائر العاصمة، أين وقفت على كيفية تعزيز الأسطول البحري العسكري بـ”قباطنة” أكفاء يتصدون لكل المخاطر والتهديدات المحتملة، كما عاينت هذا الصرح الذي يعتبر انجازا هاما ومفخرة للجيش الوطني الشعبي، بفضل الإطارات التي يتكفل بتكوينها وتأطيرها في مختلف الاختصاصات والمستويات، إنها فعلا “القلب النابض للقوات البحرية”.
الساعة كانت تشير إلى تمام الثامنة والنصف من صباح الاثنين، عندما وصلنا إلى مقر المدرسة العليا للبحرية، إجراءات أمنية مشددة، عناصر الجيش موزعين عبر مداخل ومخارج “المدرسة”، قدمنا الوثائق اللازمة وبعد التدقيق في الهوية الكاملة، سمحوا لنا بالدخول ليتم استقبالنا من طرف المقدم عبد القادر صراوي رئيس مكتب الإعلام والاتصال بالمدرسة العليا للبحرية.
وخلال دردشتنا معه، أكد المقدم صراوي أن المدرسة العليا البحرية هي ثمرة سنوات من تطوير التكوين في القوات البحرية، وهي ترتكز على الانضباط، الإخلاص، الواجب وروح التضحية، وبفضل الدروس التي توفرها فهي تحول الشباب المكونين إلى رجال يتمتعون بثقافة علمية وتقنية، وينشأون على حب الوطن والشرف والانضباط ومستعدون للعمل في مهنة السلاح دون هوادة.
لحظات فقط ليدخل علينا اللواء أحمد مرزوق، قائد المدرسة، والذي شدد في البداية على أهمية “السلطة الرابعة” التي تعد ـ حسبه ـ الخط الثاني للدفاع عن الوطن، وإجهاض كل مخططات الأعداء داخل الجزائر وخارجها، مشيدا بالدور الهام الذي تلعبه الصحافة في تنوير الرأي العام بمختلف المستجدات وبالأشواط المميزة التي قطعتها المؤسسة العسكرية في مختلف الميادين، لاسيما منها تكوين الضباط مما يسمح لهؤلاء مستقبلا بأداء مهامهم بكل احترافية.
وبعدها قدم الرائد فيصل ميقاسمي، أستاذ الأسلحة البحرية ومؤطر الطلبة الضباط، عرضا مفصلا عن مختلف المراحل التاريخية لنشأة هذه القلعة التكوينية المميزة ذات الطابع العلمي والعسكري، حيث أكد أن المدرسة العليا البحرية عند نشأتها كانت مركزا للتكوين للبحرية الفرنسية إلى غاية 1966 ثم تحولت إلى مدرسة البحرية الوطنية إلى غاية 1983، حيث انطلق تكوين الدفعة الأولى للطلبة الضباط، ثم تحولت إلى المدرسة العليا للقوات البحرية التي دشنها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد يوم 4 جويلية 1984 وهذا بمناسبة إحياء الذكرى الثانية والعشرين لعيد الاستقلال.
وأضاف الرائد ميقاسمي أن المدرسة اصبحت في شهر أكتوبر 1994 تسمى مجموعة مدارس تمنفوست، ثم المدرسة العليا البحرية بتمنفوست سنة 2003 إلى المدرسة العليا البحرية ابتداء من 02 فيفري 2014.
ورفقة العقيد عيسى إزرارن المدير العام للتعليم بالمدرسة، إلى جانب المقدم عبد القادر صراوي، رئيس مكتب الإعلام والاتصال، وعدد من ضباط المدرسة، وممثلي وسائل الإعلام، طفنا بمختلف المنشآت البيداغوجية المسخرة من قاعات التدريس، القاعات التخصصية، مخابر اللغات، مخابر الإعلام الآلي، مخابر الاتصال، المدرجات، المكتبة، المركب الرياضي، واستمعنا للشروح المقدمة من طرف رئيس كل جناح.
وكانت البداية من متحف المدرسة الذي يبرز بالصور والوسائل، جانبا من التاريخ العريق للجيش الجزائري، خاصة البحرية الجزائرية التي كانت تسمى في تلك الحقبة بـ”سيدة البحر”، حيث واجهت شتى الحملات العسكرية وخاضت كبريات المعارك ضد الجيوش الاستعمارية والأساطيل الأوروبية المعروفة بقوتها، وفي المتحف تم عرض العديد من صور زعماء تاريخ الجزائر وكذا بعض الأجهزة والوسائل التي كان يستعملها رجال القوات البحرية المغاوير، على غرار سيوف وخناجر تعود إلى الحقبة العثمانية وغيرها.

عندما تمتزج المحاكاة بالحقيقة
وللمحاكاة عنوان آخر في المدرسة، حيث ارتفع عدد قاعات المحاكاة في عديد التخصصات البحرية والتقنية، وهو ما وقفنا عليه في عين المكان.. لكن ما شد انتباهنا هي “محاكي قمرة القيادة والملاحة البحرية” المدعوة بـ”القبة الفلكية”، حيث يتدرب المتربصون في جو أشبه بالحقيقة، على تحديد موقع السفينة بكل دقة باستعمال أحدث التقنيات، لكن الزائر لهذا المكان لأول مرة يحس بدوار رهيب وهو على متن سفينة حربية تشق البحر وتلتطم بأمواجه العالية في عرض المحيط الأطلسي وقناة السويس والويل لمن يتخطى حدود البحر الأسود، وهو المستوى التاسع من التمرين المحاكي للحقيقة.
وفي هذه “القبة الفلكية” يتعلم الضباط المتربصون أهم التقنيات التي تمكنهم من تحديد موقع السفينة في البحر، سواء بقياسات العالم الخارجي اعتمادا على الشمس والقمر والنجوم الساطعة في السماء والكوكب، أو عن طريق التقنيات الجديدة ونظام تحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية.
وجهتنا الموالية كانت قاعة المحاكاة بـ”النظام العالمي للاستغاثة والسلامة في البحر”، وهو أحدث نظام لإنقاذ السفن في عرض البحر في أي منطقة أو أي موقع من مناطق الاستغاثة المقسمة إلى أربع، كما يمكن لهذا النظام إنقاذ السفينة المعرضة للمخاطر والتهديدات سواء الحريق، والهجوم أو القرصنة أو أي تهديد آخر، حسب ما كشف عنه الرائد بغداد عيشون، رئيس جناح الإشارة والحرب الإلكترونية.
وأوضح الرائد عيشون أن إدخال هذا النظام العالمي الجديد في المنظومة التكوينية للمدرسة يدخل في إطار مخطط القيادة العليا للجيش الوطني، لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة أمام التهديدات الجديدة للبحر على غرار “القرصنة” والسطو على السفن في عرض البحر.
عرجنا أيضا على قاعة “الفن البحري”، أين تلقينا شروحات حول التقنيات التي يتلقاها الطلبة المتربصون، وفي عين المكان أكد المقدم صالح بن عيسى رئيس مركز التكوين البحري أن الطلبة هنا يتلقون مبادئ الفن البحري على غرار عقد العوامات البحرية وكذا تلقين مواد قانون البحر الذي يشبه إلى حد ما قانون المرور، وكذا قواعد تفادي التصادم في البحر، بالإضافة إلى دروس تطبيقية في الربط، إلى جانب فنون الإقلاع والرسو في الميناء ومختلف المناورات العسكرية.

ساري التدريب.. هنا مغاوير البحر
في ساحة المدرسة، ورفقة ضباطها، وقفنا على ما يعرف بـ مايل ماست ساري” وهي وسيلة بيداغوجية لتدريب الطلبة الضباط، خاصة طلبة السنة الأولى، قبل الركوب في سفينة “الملاح”، على بعد 50 مترا من الأرض، وعلى طول الأشرعة الأربعة للسفينة “المفترضة” يتوزع قبطان المستقبل، أين يتلقون التدريب الميداني لرصد كل صغيرة وكبيرة في عرض البحر، لكن يبقى “ملاك” الشراع الرابع والأخير الذي يقع في أعلى “السفينة” هم العين الساهرة على كل واردة وشاردة في مياه المحيط.
ومن الهياكل المستحدثة بالمدرسة مركز التدريب على الأمن البحري، والذي يتوفر على مجسمات لسفن وأجهزة تمكّن الطالب من السيطرة على أي طارئ يمس بالأمن البحري، وفي عين المكان حضرت “الشروق” تمرينين للإنقاذ، حيث قام فريق من الطلبة الضباط بتنفيذ تمرين بحري لإخماد حريق في وسط مغلق وآخر مفتوح، أثبت فيه الطلبة قدرتهم على إتقانهم للعملية وكأنها على متن سفينة حقيقية في البحر، باعتبار أن النار حسب ما أكده ضباط المدرسة هي أكبر عدو في البحر.
إلى ذلك، تتوفر المدرسة على مخبر للغات ومنها اللغة الإنجليزية، التي تعد مادة إجبارية باعتبار المصطلحات العلمية والعسكرية العالمية بهذه اللغة، إلى جانب مكتبة مرقمنة تضم 10 آلاف كتاب ووثيقة في المجال العلمي والثقافي والديني، حيث أكد المقدم عبد القادر صراوي أن نسبة المقروئية ارتفعت إلى 60 بالمائة.
كما أطلعنا أيضا على الهياكل الرياضية التي عرفت هي الأخرى دعما جديدا منها المسبح نصف أولمبي، القاعة متعددة الرياضات والميداليات التي نالتها فرق المدرسة في المنافسات العسكرية المحلية والوطنية، والمدرجات المجهزة بأحدث العتاد لتنظيم الملتقيات وإلقاء المحاضرات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!