-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمّة الإسلام أحوج ما تكون إلى تحرّر علمائها

سلطان بركاني
  • 5135
  • 24
أمّة الإسلام أحوج ما تكون إلى تحرّر علمائها

النوازل التي عاشتها الأمّة الإسلامية أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، دلّت بما لا يدع مجالا للشكّ على أنّ محنة الأمّة في هذا الزّمان، قبل أن تكون في أمراء وحكام أفسدوا دينها ودنياها، هي في طائفة من العلماء، كانوا يوصفون بـ”الكبار” وتُرمق كلماتهم وتُتلقّف أقوالهم في مسائل الطهارة والصلاة والحجّ والصيام، لكنّهم عندما توالت النوازل المتعلّقة بالقضايا المصيريّة واحتاجت الأمّة إلى كلمات حاسمة منهم، إذ بهم يخونون أمانة العلم ويطلبون سلامتهم وسلامة مناصبهم ويدبجون الفتاوى التي تروق للجهات الحاكمة وترهن حاضر الأمّة ومستقبلها لأهواء السياسيين العابثين.

لقد سقط بعض العلماء من العلياء إلى الغبراء، وتبيّن للعامّ والخاصّ أنّهم علماء دنيا لا علماء دين، أركسوا في الفتنة وأخلدوا إلى الأرض وآثروا الفاني على الباقي، وخافوا المخلوق وآثروا رضاه، يتكلّمون فيما يؤذَن لهم به ويسكتون عن كلّ ما يطلب منهم السّكوت عنه. بل ربّما يتصدّى كثير منهم لتبرير جنايات السياسيين على دين الأمّة ودنياها. اعتادوا حياة النّعيم وارتضى بعضهم حياة البذخ والقصور والسيارات الفارهة، وخالفوا عشرات النّصوص التي تحذّر العلماء من الرّكون إلى الحكّام والسلاطين والأمراء، وتنكّبوا سِير أسلاف الأمّة من العلماء الربانيين الذين اجتنبوا أبواب السلاطين وحذّروا من الوقوف عندها ومِن طلب الدّنيا بالدّين. 

أحاديث كثيرة، وأقوال وفيرة غزيرة، لا يحدّث بها كثير من العلماء والدّعاة المعاصرين، لأنّهم يخالفون مدلولاتها، ولأنّها تصف واقع كثير من الحكّام الذين ابتُليت بهم أمّة الإسلام في هذا الزّمان، منها ما رواه الإمام الترمذي عن كعب بن عجرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “إنّه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبِهم وأعانهم على ظُلمهم فليس مني ولستُ منه وليس بواردٍ عليَّ الحوضَ، ومن لم يدخلْ عليهم ولم يعنْهم على ظلمِهم ولم يصدِّقْهم بكذبهم فهو منّي وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوض” (صححه الترمذي وابن حجر وابن حبان)، ومنها أيضا حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “سيكون أمراءُ، تعرفون منهم وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك” (صحّحه الألباني)، ومن الآثار المروية في هذا الباب قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنّ على أبواب السّلطان فتنًا كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا تصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله” أو قال: “مثليه” (أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” وفي “التمهيد”)، ومنها أيضا قول الإمام جعفر الصادق رحمه الله: “الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السّلاطين فاتّهموهم” (رواه أبو نعيم في حلية الأولياء)، وقول الحسن البصريّ رحمه الله: “لا تزال هذه الأمّة تحت يدِ الله وكنفه ما لم يُمالئْ قرَّاؤُها أمراءَها” (تخريج الإحياء، 2/ 187).

لقد ضرب كثير من العلماء والدّعاة المعاصرين عن هذه الآثار وتلك الأحاديث صفحا، واقتصروا على رواية الأحاديث والآثار التي تحثّ على طاعة ولاة الأمر والصّبر عليهم والدّعاء لهم، وعلى النّظر إلى فسادهم على أنّه عقوبة للأمّة على فسادها!.. هذا النّهج الذي ارتضاه كثير من علماء ودعاة الأمّة في هذا الزّمان، كما في محطّات وأزمنة مضت في تاريخ الأمّة، نال رضا الحكّام، فجعلوه دينا يُرهبون من يخالفه ويحيد عنه، ويسلّطون عليه علماءهم الرسميين ليتّهموه بإثارة الفتن وربّما وألصقوا به تهمة “الخروج” مهما كان يدين لله بالبراءة من نهج الخوارج.

لقد أدركت الأمّة في خضمّ النّوازل والأحداث المتعاقبة أنّ الحظّ الأوفر من محنتها هو بسبب هذا الصّنف من العلماء الدنيويين، وأنّها أحوج ما تكون إلى علماء ربانيين يتحرّرون من التبعية، ومن ربقة المناصب الرسمية، وإلى هيئات علمائية مستقلّة في فتاواها وبياناتها؛ الأمّة أكثر حاجة إلى هؤلاء العلماء وهذه الهيئات من حاجتها إلى استقلال القضاء والصّحافة.

إنّه لمن المعيب حقا أن يتمتّع الحاخامات في دولة الاحتلال الصّهيونيّ بالاستقلالية التّامّة، بينما ينتظر علماء الأمّة المسلمة الإذن ليتكلّموا وفق ما تسمح به الجهات السياسية الحاكمة!.. في “إسرائيل” لا تملك الحكومة أيّ سلطة تخوّل لها فصل الحاخامات من وظائفهم، حتى لو أدينوا بقضايا جنائية، ورجال الدّين هناك ينتقدون سياسات الحكومة، بل ويحرّضون عليها، مع أنّهم من موظّفي الدّولة ويتقاضون رواتبهم منها، وربّما لا يمكن أن تجد حاخاما يهوديا يمجّد حكّام “إسرائيل”، بل العكس هو الحاصل، حيث يتودّد السّاسة والوزراء للحاخامات ويطرقون أبوابهم يطلبون ودّهم ورضاهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
24
  • ahmed

    لأن الدين القرآن حمال أوجه كما قال علىكرم وجهه و فيه من الآيات الكثير التي لم تفهم إلى اليوم أو هي تحمل تفسيرات كثيرة. و لا شك أنك تعتبر نفسك على غرار كل دعاة الدولة الدينية التي تطبق الشريعة أنك تنتمي إلى الفرقة الناجية و أن كل من يخالفك ينتمي إلى إحدى الفرق الهالكة ال72 و بالتالي لن ترضى إلا و أنت صاحب المذهب المتبع دون منازع و لا مخالف و لا دين غير ما تراه و ترضاه للناس و ستتحول أعتى الطغاة. لأنه ليس هناك أبشع و لا أفضع من طغيان الحاكم باسم الدين.لذلك الأفضل أن نترك مالله لله و ما لقيصر لقيصر

  • ahmed

    أود فقط أن أفهم منك من أحق بالاتباع السديس أم القرضاوي الجفري و علي جمعة أم جمال البنا و إسلام البحيري و عبد الله نصر على سبيل المثال لا الحصر. موضوعك يا سيدي غامض مبهم لا يجوع الذئب و لا يغضب الراعي و لكنه يضر بصاحب المال.الفضل لك أن تنحصر في مجال الدعوة إلى التآخي و التراحم و فعل الخير بين العباد في إطار دولة يحكمها قانون بشري لا قداسة فيه يمكن تصحيحه و تغييره من طرفهم و لمصلحتهم أولا و أخيرا، أما إذا أردت التشريع باسم الله فإنك ستطغى و تتجبر لأنك ستعطي لنفسك حصانة إلهية ليست من حقك يتبع

  • عجب

    ربما فساد العلماء يكون في الجانب السياسي غالبا من خلال مواقفهم المؤيدة للحاكم
    ويبقون ثقات في علمهم وسلوكهم العام
    والامة لاتخلو من علماء ربانيين ابدا

  • kabyl

    (ان رد حديث صحيح لطاعة ولاة الامور هو رد لسنة الرسول صل الله عليه وسلم) هذا قول باطل باطل, لان الاية تقول ( فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله و الرسول ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الاخر) ولم يقل فان تنازعتم في شيء فقد رددتم سنة نبيكم’ او انكم لخوارج) فالمنازعة بين الرعية و ولاة الامور كانت ولا تزال في هذه الامة وحلها يكون بالاحتكام الى الكتاب والسنة و ليس الى الحديد و النار

  • المراقب_الجزائر_ ابن وي وي

    ممن تتعلم إذ فسد العلماء واتبعوا اهواء الحكام ألم يكن العلماء ورثة الانبياء؟
    فاستقامة الافراد باستقامة علمائهم وحكامهم فهم القدوة ألم تقرأ قول عثمان رضي الله عنه: يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن؟

  • عبد الله

    والله يا أخي المشكلة ليست في العلماء و لا في الحكام لان الله عز وجل لن يسألنا لا عن العلماء و لا عن الحكام بل على أنفسنا هل نحن طبقنا الشرع على أنفسنا و في أسرنا أم لا فنحن قرن من الزمن و نحن نلوم الحكام و العلماء و تركنا أنفسنا

  • العربي

    ما دام الكثير من العلماء مضيق عليهم وممنوعون من الخطابة والإمامة والتدريس فلا نستطيع أن نجزم أن هذا العالم أو ذاك من علماء السلطان أو خائن لدينه لأننا لا نعرف رأيه وموقفه من الأحداث يقينا
    أما ما استطعوا أن يبلغوه للأمّة من علم فنحكم عليه بالدليل الشرعي والبينة سائلين الله التوفيق والحكمة وأن يرزقنا البصيرة في الدين
    وليس مطلوب من العالم أن يرضي العامّة أو أن يساير أهواءهم بل واجبه الإلتزام بالكتاب والسنّة المحفوظتين بحفظ الله العزيز الحكيم لكن الكثير لا يفقهون واجب اتباع السنّة الصحيحة والله أعلم

  • amor sebti

    بارك الله فيك. اصبر على الحق فسوف تسمع كثيرا من الاذى

  • عابر سبيل

    جزاك الله خيرا أخي كفيت ووفيت حتى أنه يستدل بحديث ضعيف.

  • مسعود

    العالم من يقدم الاحسن للبشرية و يحافض عن ارض الخالق (و تعاملو بالتي هي احسن)

  • بدون اسم

    شكرا على الفهم الجيد لنص الحديث ياصاحب التعليق_______________ صالح بوقير

  • mohamed

    يا هذا ادرس جيدا ثم تكلم !

  • أستاذ

    أكبر مشكلة تواجه الأمة هي في من يعتلون المنابر في زمن الرويبضة و أكثرهم أساتذة جامعيين يظهرون في الإعلام و قد فتّحت أمامهم الأبواب و لكنهم أغلقوا قلوبهم عن الناس و يعتقدون في أنفسهم أنهم أعلم الخلق مع جهلهم و بخاصة في أصول العلم و مسائل الخلاف و قواعد التأصيل..ناهيك عن تزكية النفس و بعهم عن الحوار الحضاري فلا هم قعّدوا للكلام وفق أصوله و لا هم زكّوا أنفسهم و تواضعوا و تقبّلوا اختلاف الرأي معهم.. قيزرعون الشبهات و يلفقون على ضعاف النفوس ,, .. ادخل على مواقعهم في التواصل الاجتماعي سترى العجب

  • بدون اسم

    يا أخي التوفيق بين الدين والسياسة ليست مستحيلة أبدا عندما يعلم رجال السياسة أن هناك ربا يراقبهم وسيحاسبهم يوم القيامة على المسؤليات التي أسندت لهم فيخلصون العمل لله

  • بدون اسم

    الإسلام دين كامل شامل لم يترك أمرا إلا وأرشدنا فيه وفصله عن الحكومة دعوة خبيثة إلى فصله عن حياة الناس فالدين يشرع و الحكومة تشرع وإذا فصلناهما عن بعض أعطينا الضوء الأخضر للحكومة لتشرع لنا قوانين حسب اهواء البشر تتناقض مع ديننا فيصبح الحلال حراما والحرام حلالا

  • امام

    لقد زرع الحكام في قلوب العلماء حب الدنيا كراهية الموت فأمنوا شرهم بل حولوهم الى ادوات اطفاء لنيران الغضب والاحتجاج التي تهدد عروشهم وامنهم والله المستعان

  • مراد

    اليس الاصح هو فصل الدين عن السلطة السياسية (الحكومة)؟ بمعنى ان يحدد دور رجل الدين باماكن العبادات ودعوة الناس الى الهداية، ويحدد دور رجل السياسة بادارة شؤون الناس الحياتية غبر مؤسسات السلطة؟ اليس محاولة التوفيق بينهما شبه مستحيل؟

  • بدون اسم

    النوازل التي عاشتها الأمّة الإسلامية !!لا للخلط والتزويير

    الامة العربية من تعيش ماتقول وهذا نتيجة للثقافة العربية والتاريخ العربي والتربية و..
    المشكلة والخراب والفوضى و..........يعيشها العرب مثل سلطان بركاني لا دخل للعجم فيها
    الجزائريين غير العرب ليسوا معنيين بما تقول

  • فوضيل

    ان كان في كل مهنة في العلوم الانسانية او العلمية هناك ناجحون وفاشلون ومسيؤون لمهنهم او تخصصهم..فلماذا لا يصح ذلك على رجال الدين؟ خاصة ان عرفنا ان الدين "حمال اوجه" يقبل التفسيرات المتعددة ..والتاريخ منذ العهد الاموي الى يومنا هذا شاهد على مداهنة رجال الدين الاسلامي القدماء منهم والمحدثين للسلطة الحاكمة..وفي عصرنا هذا خضعت اكبر مؤسسة دينية وهي الازهر الى رغبات الحكام واصدار علماؤها اعداد كثيرة من الفتاوي تؤيد الحاكم فيما ذهب اليه وتذم من يخالفه، وقد اثبت رجال الدين انهم يفهمون الميكافيلية.

  • نور الدين

    جزاك الله خير الجزاء لقد وضعت الاصبع على الجرح النازف وبينت العلاج.الا ان هناك فئة قد تر في تحليلك هذا مسا بمقدساتها وتصنفك من الخوارج

  • عبد الحق

    العالم يا سيدي هو من يخشى الله .. العالم هو من تحرر من عبادة غير الله و من الخوف من غير الله و من التوكل على غير الله و من رجاء غير الله و من الاعتصام بغير الله ... العالم هو من يستحضر عظمة الله و مراقبته ... و يستحضر عقبة الحساب و يرتعد من أن يصير من المفلسين و الخاسرين في زمن الربح ... ليس هناك ربح من غير ذاك. لا لعلماء '' و إن ضرب ظهرك و إن أخذ مالك'‘... نعم لعلماء '' و إن ضرب ظهرك و إن أخذ مالك'' بمعنى: إن ضرب ظهرك في حدّ من حدود الله.. و إن أخذ مالك في حق من حقوق العباد...

  • Nostradamus

    انتم يا شيخ لما نتحدث عن السعودية و حكامها المفلسين تقولون اننا عملاء لايران, لكن الحمد لله انك بدات تفهم ما يحدث, اتدكر مقاللاتك السابقة التي تشكر فيها حكام الخليج و تمنع من لا يواليهم مستشهدا بقوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) اما الان فانت تدعوا الى مقاطعة علماء الامة مستشهدا باحاديث اخرى , كيف تستنبط هده الاحكام و انت امام نوعين من الاحاديث, انا لا اريد ان اكون امعة.

  • صالح بوقدير

    جزاك الله عن أمة الاسلام خيرا.
    فكما يقول أهل الاقتصاد العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق فكذلك علماء السوء طردوا علماء الحق ولم يتركوا لهم مجالا مستعينين في ذلك بسيف السلطان وسيف الاعلام فعلماء الحق شيطنهم الاعلام وكبلهم السلطان فصاروا في حكم الموتى وهم الاحياء نسأل الله أن يبرم لهذه الامة أمر رشدا.

  • محمد

    بل نحن احوج ان لا يتكلم الرويبضة في امر الدين والسياسة الشرعية التي هي مربوطة بهدي الرسول صل الله عليه وسلم لان لو كل تكلم في الدين بغير علم ولا دراية سيفسد الدين وتكثر الملل والنحل ثم ان رد حديث صحيح لطاعة ولاة الامور هو رد لسنة الرسول صل الله عليه وسلم ثم التركيز عليه ليس عيب ولا حرام لانه دراء للفتن والجزائر وما وقع بها ليس ببعيد........