-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أنين الحنايا بين غزّة ومضايا

سلطان بركاني
  • 2487
  • 0
أنين الحنايا بين غزّة ومضايا

حَرَج بالغ وقع فيه المنافحون عن المشروع الإيراني الطّائفيّ بعد انتشار الصّور والمقاطع المروّعة التي جرى تداولُها لآثار الحصار الآثم الذي ضربه حزب الله اللّبناني بالتّعاون مع قوات الأسد، على بلدة مضايا السّورية؛ حرج لم ترفعه فضيحة إعلام “التّشبيح” في ابتزاز بعض أهالي البلدة للإدلاء بتصريحات تبرّئ الجناة مقابل الحصول على الطّعام، ولا محاولته البائسة تزويرَ تقرير الأمم المتّحدة حول مأساة أكثر من 40 ألف محاصر في البلدة، كما لم تسعفه المقارنات غير الموفّقة بين حصار بلدة مضايا التي مُنعت عن أهلها كلّ السّلع والموادّ الغذائيّة حتى اضطروا إلى أكل القطط والكلاب بعد الحشائش والأعشاب، ومات منهم أكثر من 30 بريئا بسبب الجوع، وبلغت مأساتهم إلى حدّ جعلهم يخاطبون الضّمير العالمي بقولهم: “إذا لم تتحرّكوا لإنقاذ البشر، فتحرّكوا لإنقاذ الكلاب والقطط التي يذبحها أهل مضايا ليأكلوا لحومها”!..

لم تُسعف المنافحين عن المشروع الإيرانيّ المقارنةُ بين هذا الحصار الذي أعاد إلى الأذهان حصار أبي جهل وأعوانه للنبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وصحبه في شِعب أبي طالب في السّنة السّابعة من البعثة، وبين الحصار الذي فرضته قوات المعارضة على كفريا والفوعة، أين سُمح بإدخال المساعدات بعد اتّفاق سبتمبر 2015م، وكانت الطّائرات تلقي بمساعدات أخرى من الجوّ، ولم يُسمع عن أهلها أنّهم اضطرّوا لأكل الحشائش أو مات منهم أحد بسبب الحصار.

لم تنفع المنافحين عن الطائفيين هذه المقارنات ولا تلك التحويرات، فلم يجدوا لهم مخرجا إلا أن يلوذوا بالقضية الفلسطينية وبحصار غزّة، في محاولة بائسة للتّغطية على ما يحصل في سوريا من جرائم مروّعة، ولسان حالهم يوشك أن يقول “إنّ أيّ حديث عن جريمة حزب الله في محاصرة مضايا هو خيانة للقضية الفلسطينية ولقضية غزّة المحاصرة”! وهو الرّبط الذي حيّر أحرار الأمّة الذين لا يرون أيّ تضادّ أو تزاحم بين الحديث عن دماء المسلمين التي تسفك على أيدي الصّهاينة في الضفّة والقطاع، وبين الحديث عن دماء إخوانهم التي تسفك على أيدي الحكّام المستبدّين، والغلاة المعتدين، أو على أيدي الطّائفيين الذين دسّوا للمسلمين سمّ الأساود في الماء البارد، وتاجروا بقضايا الأمّة، وتمسكنوا حتّى إذا تمكّنوا ووجدوا الظّهير والنّصير كشّروا عن أنيابهم؛ أحرار الأمّة لا يرون أيّ تضادّ أو تزاحم بين هذا وذاك، لأنّهم يحفظون جيّدا حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم”.

أحرار الأمّة تحدّثوا ولا يزالون يتحدّثون عن حصار غزّة الذي بدأ سنة 2007م، ولا يزال مستمرّا إلى يوم النّاس هذا، وأدانته أكثر بلاد المسلمين، وحرّكت بعضها سفنَ مساعدات لكسره، لكنّهم يرون أنّ الأرواح البريئة التي ارتقت في مضايا بسبب الجوع هي أيضا أرواح مسلمة تستحقّ أن تُنعى وتُذرف الدّموع الحرّى على أصحابها، ويرون أيضا أنّه ليس جديدا ولا مستغربا أن يفرض الأعداء الصّهاينة حصارا على قطاع غزّة، لكنّ المستغرب هو أن يفرض أدعياء المقاومة والممانعة على المسلمين في مضايا حصارا هو أشدّ وأقسى من حصار غزّة، ويمنعوا دخول كلّ أصناف السّلع والموادّ التّموينيّة، وهو ما لم يفعله الصّهاينة الذي يسمحون بدخول 84 صنفا من السّلع والموادّ، من مجموع 4 آلاف صنف كانت تدخل إلى القطاع قبل الحصار.

الغريب المستهجن هو أن يعلن أدعياء المقاومة والممانعة بلسان الحال والأفعال بأنّ الطريق إلى القدس يمرّ على رقاب أهل حمص والقصير وعلى أمعاء أهل مضايا وبقين، ويعلنوا الحرب الإعلاميّة الآثمة على تركيا التي سيّرت السّفن لكسر الحصار الظّالم، واشترطت لإعادة العلاقات مع “إسرائيل” أن ترفع هذه الأخيرة الحصار عن غزّة.. ليس مبرّرا بحال من الأحوال أن تربط أيّ دولة مسلمة علاقات مع الكيان الغاصب، لكنّه ليس مبرّرا أيضا أن تُعلَن الحروب الإعلاميّة الظّالمة على تركيا لصالح روسيا التي تُدافع عن حقّ دولة الاحتلال الصّهيونيّ في القيام بأيّ عمل يحفظ أمنها! ويُسكتَ عن السّلطة الفلسطينية التي أدمن رئيسها التّنسيق الأمني وتَعهّد بإجهاض أيّ انتفاضة جديدة، وقال عن سفن كسر الحصار بأنّها “لعبة سخيفة”!.

إنّه لم يعد مجديا أن يصرّ المنافحون عن المشاريع الطّائفيّة على هذه الموازين المائلة، ويلوذوا بمثل هذه المقارنات التي لا داعي لها، ويحاولوا عبثا تغطية الشمس بالغربال، وستر سوءات أدعياء الممانعة التي انكشفت في سوريا والعراق، بالعلم الفلسطينيّ.

فلسطين كانت ولا تزال وستبقى قضية المسلمين الأولى، لكنّ أهلها الأحرار الذين رفضوا خرجة “حسن نصر الله” عندما خطب يوم الإثنين 21/ 12/ 2015م، متحدّثا عن اغتيال “سمير القنطار” وخلفه خارطة فلسطين تلفّها ألوان العلم الإيرانيّ، يرفضون أيضا أن يُتاجر بقضيتهم من حاصروا وجوّعوا وقتلوا إخوانهم الفلسطينيين في مخيّم اليرموك، ولن ينسوا أبدا أنّ هؤلاء الذين حاصروا مضايا هم ذاتهم الذين يحاصرون مخيّم اليرموك الذي يضمّ أكثر من 18 ألف لاجئ فلسطينيّ، منذ جويلية 2013م، وتسبّبوا في ارتقاء أرواح أكثر من 100 فلسطينيّ من الأطفال والنساء والشيوخ، بسبب الجوع.

أحرار فلسطيني خاصّة وأحرار الأمّة عامّة لا يقبلون أبدا أن ينتفض الطّائفيون ضدّ إعدام “النّمر” ويسكتوا في المقابل عن إعدام آكلي القطط في مضايا، ويندّدوا بالقصف الذي يتعرّض له الحوثيون المسلّحون، ويسكتوا في المقابل عن القصف المتواصل الذي تتعرّض له بيوت المدنيين ومستشفياتهم ومخابزهم في سوريا بسلاح الجوّ الرّوسيّ الذي باركته الكنيسة الأرثوذوكسية!.

لقد اضطرّ الطّائفيون إلى السّماح بإدخال المساعدات إلى بلدة مضايا، بعد افتضاح الجريمة المروّعة التي اقترفوها في حقّ أكثر من 40 ألف سوريّ؛ وهو ما ينبغي أن يستحثّ أحرار الأمّة على مواصلة جهودهم في فضح جرائم الصّهاينة في فلسطين، وجرائم الصليبيين والصّفويين في العراق وسوريا، فـ”المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم”. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!