الرأي

أهل الثّغور هم بوصلة الحقّ

سلطان بركاني
  • 1532
  • 10

في ليلة الخميس الماضي، ليلة العيد، وفي خضمّ انشغال الأمّة بالملاحم التي تصنعها صواريخ المقاومة الإسلامية في غزّة بالصّهاينة في الأرض المحتلّة ردّا على عدوان المحتلّ الغاصب على المقدسيين والمسجد الأقصى، راسلني أحد إخواني الأئمّة على الماسينجر، يعاتبني في إصراري على تبنّي القول بإجزاء القيمة في زكاة الفطر ودفاعي عن هذا القول الذي يراه مخالفا للسنّة منافيا للحقّ، ولم ينس أن يبدي لي اعتزازه بالثّبات على “السلفية” التي قال إنّها تعني التمسّك بالكتاب والسنّة بفهم سلف الأمّة، ويعيبَ عليّ تنكّبي هذه الطّريق وانتسابي إلى “الإخوان” (!) لأجل دنيا أطلبها وأحرص عليها(!)

تمنيت لو كانت رسالة أخي الإمام في ليلة العيد ألطف ممّا كانت عليه، لكني التمست له العذر، قبل أن يدخل معي في نقاش أدركت من خلاله أنّي أجادل إماما لا يختلف في لغته وأسلوبه عن كثير من الأتباع الذين أولعوا بالجدل والتحدّي والتعصّب، وترسّخ لديهم أنّ إصرارهم على التمسّك بظواهر الروايات بعيدا عن الفقه الذي حضّت عليه نصوص الوحيين وأقوال السّلف، هو المنهج الحقّ الذي لا بديل عنه لمن أراد التمسّك بالكتاب والسنّة، وهو السلفية الحقّة وما سواها سلفية مشوّهة دعِية أو بدعة ضلالة تورد صاحبها نار جهنّم! وهؤلاء ينظرون إلى السلفية كما لو كانت منتجا حصريا لاسم معين أو جهة محدّدة، لذلك يحكمون على من خالف بعض أصولها وحتى إلى من خالفها في بعض الفروع على أنّه منقلب عن السلفية بل عن الكتاب والسنّة ومنهج سلف الأمّة!

من الصّعوبة بمكان إقناع هؤلاء الشّباب بأنّ الدّعوة السلفية –ناهيك عن الحزب السلفي- اجتهاد بشريّ في التعامل مع النصوص ومع تراث السلف، وأنّها، كغيرها من الطّوائف والجماعات، ليست معصومة، إنّما العصمة لمجموع الأمّة، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لا تجتمع أمّتي على ضلالة”؛ فقد تصيب السلفية الحقّ في مسائل وتخطئه في أخرى، وقد يأخذ الآخذ منها في بعض قضايا الدّين والدّعوة ويأخذ من غيرها في قضايا أخرى..

أمّا الاعتقاد بأنّ الحقّ لا يخرج عن السلفية وعن علمائها، فهو من الغلوّ المذموم، ومثله الاعتقاد أنّ السلفية هي الطّائفة المنصورة! مع توارد نصوص السنّة وشواهد الواقع أنّ السلفية لا تقارع أعداء الأمّة من الصّهاينة ولا من الصليبيين، بل نرى بعض فروعها تُعمل مباضع الجرح في الطّائفة المؤمنة التي تقارع الصهاينة في الأرض المحتلّة، لا لشيء إلا لأنّ قادتها يُنسبون إلى طائفة أخرى غير السّلفية! كما سبق لها أن خذلت المقاومة في العراق ضدّ العدوّ الأمريكيّ المحتلّ وخذّلت عنها وأصدرت الفتاوى التي تحذّر منها! مع أنّ نصوص الكتاب والسنّة وأقوال أعلام الأمّة متضافرة على أنّ أهل الثّغور الذين يقارعون أعداء الأمّة ويدافعون عن حياضها هم الميزان الذي يوزن به غيرهم، قال ابن تيمية رحمه الله: “ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم، كما دلّ عليه قول الله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))؛ فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى، ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف النّاس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثّغر فإنّ الحقّ معهم لأنّ الله يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))”.

لا يضرّ أهل الثغور الذين يقارعون الصّهاينة ويسعون لتطهير أرض الإسراء من رجس اليهود أن ينسبوا إلى الإخوان المسلمين، ويشيطَنوا تبعا لتوصيات مؤسسات البحث الأمريكية! بل إنّ الدّين والعقل يوجبان على الأمّة أن تقف في صفّ أيّ طائفة من طوائف أهل القبلة مهما كانت المؤاخذات عليها، إذا كانت في تدافع مع عدوّ كافر متربّص بالأمّة، فلا يجوز مثلا الوقوف مع الصّهاينة ضدّ المسلمين الشّيعة مع وضوح انحرافهم، فضلا عن غيرهم، لأنّ انحراف اليهود عن دين الله الحقّ أكبر بكثير من انحراف الشّيعة في بعض أصول الدّين وفروعه، ولذلك لمّا سئل ابن تيمية –رحمه الله- عمن يفضّل اليهود والنصارى على الرافضة، أنكر ذلك وقال: “كلّ من كان مؤمنا بما جاء به محمد، فهو خير من كلّ من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم”..

ولهذا فما يقوم به بعض المنتسبين إلى السّلفية المعاصرة هذه الأيام من الطعن في المقاومة الإسلاميّة في غزّة وتحميلها مسؤولية العدوان الصّهيونيّ على أهلنا هناك، علاوة على منافاته للواقع، فإنّه يمثّل مخالفة صريحة للمحكم من كتاب الله والمتواتر من سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإجماع الأمّة على حرمة إعانة الكفّار على المسلمين بالقول أو الفعل أو الإشارة، بل إنّ هذا المسلك قد يؤدّي بمن يصرّ عليه إلى الردّة عن دين الله جلّ وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين)) (المائدة).

مقالات ذات صلة