الرأي

أوقفوا جريمة سبّ الصحابة

حسين لقرع
  • 3403
  • 32

من الإنصاف والموضوعية أن نثمّن اعتراف الهاشمي رفسنجاني منذ يومين بأن إمعان غلاة الشيعة في سبّ الصحابة الكرام واحتفالهم كل سنة بذكرى اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، قد أدّى إلى بروز “القاعدة” و”طالبان” و”الدولة الإسلامية”… فهو موقفٌ جريء وقويّ من شخصية إيرانية شيعية كبيرة.

لكن هذا الاعتراف لن يكون ذا معنى إلا إذا أُرفق بإجراءات من شأنها أن تُحدِث القطيعة النهائية مع هذه الممارسات الشيعية التي كانت أحد أسباب تمزيق صفوف المسلمين ووحدتهم، ونشر العداوات والأحقاد بينهم، وبروز الاصطفافات الطائفية علىأنقاضروح الأخوة الإسلامية.

لقد تأسست فضائياتٌ شيعية خصّيصا لسبّ الصحابة وأمهات المؤمنين والتطاول عليهم، ولعْنهم والعياذ بالله، دون أيّ اكتراث بمدى تأثير هذه الاستفزازات اليومية في نفوس السُّنة، واشتغلت فضائياتٌ سنية بالانحرافات العقدية للشيعة كاللطائم العاشورائية والمشي على الجمر والادّعاء بعصمة أئمّتهم وغيرهاوكانت النتيجة تراكم الأحقاد والعداوات بين الطرفين، حتى كفّر كل منهما الآخر، وغرقا في صراعات طائفية خطيرة في العراق وسوريا واليمن ودول أخرى، بل إنها طرقت باب السعودية مؤخراً من خلال عملية الأحساء، وبدأ شيعة البحرين يهددون بالتخلي عن سلمية انتفاضتهم، وانتهت مظاهرُ التعايش وقبول الآخر والأخوّة التي كانت قائمة منذ عقود قليلة في بلدان أخرى وسادت بدلها أجواء من الجفاء والاحتقان والتربّص بالآخر، وبدأ كل طرف يحضّر نفسه للمواجهة، وإذا لم يتمّ استدراك الأمر في أقرب وقت والبحث عن حلول، فقد تشتعل كل دولة يقطنها خليطٌ من السنة والشيعة، وتسيل الدماءُ أنهاراً.

ولعلّ اعتراف رفسنجاني بمسؤولية غلاة الشيعة في تفاقم الصراع المذهبي وظهورالقاعدةوالدولة الإسلاميةيشكّل مدخلاً مهمّا لمعالجة الفتنة المشتعلة وتخفيف أجواء الاحتقان والتشنج والكراهية التي تسود بين الطائفتين، ولكن بشرط أن يكون هناك حوارٌ جدي وعميق بين الطرفين؛ وتحديداً بين سياسييهم وفقهائهم.

نريد حواراً بين السعودية زعيمة العالم السني، وإيران زعيمة العالم الشيعي، حول مختلف القضايا الخِلافية، فهو سيُنهي صراعاتٍ طائفية عديدة في المنطقة إذا صدقت النيّات، والبداية بسوريا التي تدور فيها منذ قرابة أربع سنوات حربٌ طائفية طاحنة بالوكالة عن البلدين.

أما على مستوى الفقهاء، فنأمل أن يستأنف منتدى التقريب بين المذاهب أشغاله التي توقفت بلا مبرّر بعد إندلاع الأزمة السورية، فهو كفيلٌ بإيجاد صيغ لإنهاء الاحتقان والعداوة والبغضاء إذا صدقت النيّات أيضاً؛ فإذا إلتزم مراجعُ الشيعة بإصدار فتوى جماعية تحرّم سبّ الصحابة وأقرّت أنظمتهم بتجريمه ومعاقبة مرتكبيه، والتزم بالمقابل علماءُ السنة بإصدار فتوى تحرّم تكفيرَ الشيعة وقتالهم وأقرّت أنظمتُهم بتجريم ذلك ومعاقبة مرتكبيه، أمكن وضعُ أسسٍ لمعالجة الاحتقان بين الطرفين، كغلق كل الفضائيات الطائفية، وتجريم الشحن المذهبي في كل وسائل الإعلام، ومعاقبة كل المتجاوزين، وغيرها من إجراءات التهدئة المتبادَلة

 

لقد مزق الخلافُ بين السنة والشيعة الأمّة الإسلامية الواحدة شرّ ممزق، وزادها ضعفاً ووهناً، ولم يستفد من ذلك سوى الكيان الصهيوني والغرب، وآن الأوانُ لإنهاء هذه الفتنة المنتِنة من خلال التخلي عن خطاب الكراهية والشحن والتحريض الطائفي والتكفير واستبداله بخطابٍ يدعو إلى التعايش وقبول الآخر والكفّ عن مهاجمة مذهبه وإهانة رموزه؛ خطاب يؤكد أن كل المؤمنين إخوة بغض النظر عن مذاهبهم وطوائفهم.

مقالات ذات صلة