الرأي

أوقفوا هذه الحرب المجنونة

حسين لقرع
  • 2501
  • 0

أثارت صورُ الطفل السوري الغريق نقاشاً واسعاً في العالم حول مأساة المهاجرين السوريين، وضرورة مدّ يد العون لهم وفتح دول أوربا والخليج حدودها لهم لإنهاء معاناتهم، ولكن لا أحد تحدّث عن ضرورة حلّ أزمتهم من جذورها من خلال ضغط المجتمع الدولي على طرفي الصراع في سوريا لدفعهما إلى البحث عن تسوية سلمية تُنهي الحرب وتسمح لملايين السوريين بالعودة إلى وطنهم وديارهم.

عملياً، يمكنتقاسممئات الآلاف، بل حتى الملايين، من اللاجئين السوريين بين دول الاتحاد الأوروبي وكذا الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ودول أخرى، وتوطينهم وتوفير الوظائف لهم، ولكن ذلك لن يكون الحلّ الحقيقي لمأساتهم.

ربما يتمنى بعض السوريين أن يحقِّقوا حلمهم فيالهجرةإلى أوروبا وتحقيق العيش الرغيد لعائلاتهم، ولكن الشعب السوري يريد أن تنتهي هذه الحرب المجنونة وأن يعود إلى بلاده ويبدأ في تضميد جراحه وإعادة بناء ما تهدّم، حتى يستأنف حياته العادية التي توقفت منذ أربع سنوات ونصف سنة، لتحلّ محلها حياة التشرّد واللجوء والضياع وظلم ذوي القربى

ربّما كان قرارُ الاتحاد الأوروبي باستقبال 160  ألف لاجئ سوري نابعاً من شعوره بالذنب تجاه الشعب السوري بعد أن ساهم في مأساته من خلال دعم عسْكرة انتفاضته السلمية استجابة لنزوات مهووسة لدول إقليمية تريد إسقاط نظام الأسد بأي وسيلة، ولو كان الثمن خراب سوريا وتشرّد نصف شعبها، لكن الاقتصار على علاج الأعراض فقط لن يؤدي إلى اختفاء المرض، ومادامت أوربا تشعر بالذنب إزاء اللاجئين السوريين، فالمطلوب أن لا تكتفي بمعالجة جزء من مشكلتهم، بل أن تدفع طرفي الصراع في سوريا إلى طاولة الحوار مجدداً للبحث عن صيغة تسوية سلمية تضع حدا لهذه الحرب وبالتالي تُنهي الأزمة من جذورها وتسمح بعودة اللاجئين إلى وطنهم، والحياةِ إلى طبيعتها في هذا البلد الذي أنهكته 4 سنوات من الصراع الدامي بلا نتيجة.

لقد خلّفت هذه الحربُ المجنونة أزيد من رُبع مليون قتيل، و12 مليون نازح ولاجئ بعد أن تحوّلت بيوتهم ومدنهم إلى أطلال، وشُلّ الاقتصادُ السوري وانهارت العملة المحلية، وتفشّى الفقر والبؤس على نطاق واسع وتعطلت الحياة الطبيعية دون أن يظهر في الأفق أي مؤشر لإمكانية تحقق الهدف الأول من عسْكرة الثورة وهو إسقاط الأسد ونظامه؛ فالتوازن العسكري لايزال سائداً، وليس هناك ما يدلّ على قرب حسم أحد الطرفين المعركة لصالحه، ما يعني استمرارَ الحرب سنوات أخرى دون أن يتحقق الحسمُ بالضرورة، بل قد يتضاعف عددُ القتلى ويتوسّع حجم الخراب ويتحوّل الشعب السوري كله إلى لاجئين، وتختفي الدولة السورية نهائياً من الخارطة

بدل توجيه التركيز كله إلى استقبال اللاجئين في أوروبا وتوزيعهم بين دولها، ينبغي أن ينصبّ التفكيرُ والاهتمام على كيفية إعادتهم إلى وطنهم ليستأنفوا حياتهم، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الضغط على النظام السوري والمعارضة معاً لتقديم تنازلاتٍ متبادلة تفضي إلى تحقيق تسوية سلمية تضع حدا للصراع والتناحر الأهوج قبل ضياع البلد وشعبه.  

مقالات ذات صلة