-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كلام‭ ‬حميم

أولاد‭ ‬الحلال‮ ‬‭..‬‮ ‬أولاد‭ ‬الحرام

محمد دحو
  • 6842
  • 9
أولاد‭ ‬الحلال‮ ‬‭..‬‮ ‬أولاد‭ ‬الحرام

أعرف أنك لست منهم، ولن تكون منهم أو مثلهم، حتى ولو أردت ذلك فلن تكون، الحلال بيّن والحرام بيّن، ولكن عصابة الشر تلك هي السبب فيما جرى.

  • ليتك قلت ذلك في المحكمة، ربما كان الخوف من جماعة الميناء هو الذي جعلك تتردد في كشف الأوراق، وقول الحقيقة أمام القاضي، لقد كان ظاهر شركائك غير باطنهم، واعتقدت أن سفينة القمح قد وصلت باسمك وحدك، وأن إجراءات الجمارك كما قيل لك ستتم في أسرع من لمح البصر، فقط بمجرد مكالمة من سي فلان ابن زاوية سيدي فلان المقربة من الحكومة والدولة، كان سي فلان كما قدموه لك أيضا من جماعة الحزب الفلاني يعرف الوزراء ويجالس الشعراء، ويدخل الإذاعة متى يشاء، ويراه الناس في نشرات الأخبار وفي المواكب الرسمية والأعراس السياسية، مفتاحا بلا مفتاح، أو هكذا أوهمك وسيط الصفة وعضو المجلس البلدي الذي طلب منك إحضار سجلك التجاري، وزين لك الأمر، حتى غلبك ريقك، خاصة وأنه وعدك بقطعة أرض وشقة، وبالترشح للانتخابات القادمة، فأجبت بالسمع والطاعة، مستبشرا بما سيأتيك من رزق وبضاعة، لقد نام سجلك التجاري في خزاتة الخشب القديمة أكثر من سنتين، ولم تستورد به أو تصدر به حتى ذلك البعوض الذي يملأ فناء بيتك الترابي وينغص حياتك وأطفالك ليل نهار، ضحكت وبكيت، ثم قلت لهم بفخر وحمية نحن أبناء التل، أو أبناء الجنوب لا فرق، الكرم والرجولة، كانوا قد أعدوا لك العدة وأكملوا الخطة في تلك الليلة الليلاء في أحد فنادق البحر الذي لم تره إلا في تلك المناسبة، كانوا يتضاحكون ويتغامزون من حولك كما تفعل الفئران حول قط أجرب، وكنت وأنت المزهو بصفقة الأحلام غير مصدق ما ينتظرك من مال وفيلة وسيارة فخمة وزوجة شابة تقضي معها شهر العسل في تونس، لقد كانوا لطيفين معك في الكلام، ولبقين حتى حسبتهم أطفالا صغارا، وظننت نفسك سيدا كبيرا، كان الأمر في تلك السهرة الجميلة لك وحدك، إذا قام هذا من كرسيه إلى الحمام استأذنك، وإذا أشعل الآخر سيجارته اعتذر لك، وإذا رفع ثالث صوته انحنى لك، لقد كنت يا ابن الجنوب سيد المكان والليل وصاحب باخرة القمح التي ستصل ميناء الجزائر في أقل من شهر، تذكرت حينها أيام الفقر والفاقة والديون المتراكمة عليك، تذكرت حاجتك إلى كيلوغرام من السكر ومثله من القهورة والعدس واللوبيا، وقطعة لحم تحسد عليها كلاب الجزارين كلما تاقت نفسك إلى اللحم، ولو استطعت لأكلت لحم الكلاب والحمير يا رجل، تذكرت أجساد أطفالك العارية في كل حين، وبكاءهم وجوعهم وصراعك المر مع قربة الماء وشموع الليالي الباردة من غير كهرباء ولا غاز، تذكرت في انكسار رجولتك التي تتهشم في كل يوم مئة مرة على قارعة الطرق من أجل لقمة العيش، تذكرت دموع زوجتك وأنينها على مدى عشرين عاما من الزواج المر، ومعيشة الكلاب التي تحياها في هذا الجنوب الذي تمتد فيه أنابيب الغاز الى أوروبا بملايير الدولارات، تذكرت حاجة الناس من حولك إلى طريق بلا رمل أو حجر، وإلى حافلة ومدرسة ومركز صحي، لعلك تظفر بيوم كريم قبل الموت، تذكرت ذلك، ومر الفيلم الأسود في خاطرك كما تمر شاحنات سوناطراك في هذه الفلاة سريعة منذ عشرات السنين، شعرت باحتراق‭ ‬مر،‭ ‬ولهيب‭ ‬يأخذك‭ ‬كأنه‭ ‬لهب‭ ‬غاز‭ ‬الصحراء‮ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬طفلا‭ ‬ولا‮ ‬يزال،‭ ‬وبين‭ ‬الفقر‭ ‬والكفر‭ ‬قررت‮ ‬أن‭ ‬تجرب‭ ‬لذة‭ ‬المال‭ ‬والثروة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬رأسك‭ ‬ونهاية‭ ‬حياتك‭.‬
  • كنت تفهم جيدا تواطؤهم وسخريتهم وتدرك جشعهم وطمعهم في ذلك الليل، وكنت تقول للبحر والليل كمدك وغيضك وثورتك الجنوبية، مرة عرض عليك أحد شباب العاصمة شراء قطة أرض بأبخس الأثمان، كان ينظر إليك مصمما على غبائك، وكنت تنظر إليه بعين أخرى، وافقت على قطعة الأرض وعلى السعر، ولم تكن قطعة الأرض تلك غير تلك المساحة التي على رصيف مقاهي حيدرة، بحي سيدي مبروك، ومرة أخرى عرض عليك أحد الحراشيين شراء سوق الحراش بثمن بخس ودراهم معدودات، فهززت رأسك موافقا، ثم أكلتك الريح، وبقي ذلك الشاب المخبول ينتظر عودتك، وحين قررت استخراج شهادة السجل التجاري للاستيراد والتصدير، كنت تفكر في تصدير مثل تلك الطاقات الشبابية من المحتالين كي ترتاح منهم البلاد والعباد، فكرت أيضا في تصدير أطنان الغضب الجزائري السريع إلى بعض الدول العربية التي تمنع عن غزة الطعام والدواء، وترضى بإهانة العراقيين والصوماليين،‭ ‬والمقدسيين‭ ‬واللبنانيين،‭ ‬وتصدير‮ ‬الحائطيين،‭ ‬وحملة‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬تصديرا‭ ‬يليق‭ ‬بنا‮ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الموحش؟
  •  وحين سألك آخرون عما ستسورده للجزائريين؟ قلت من غير تفكير في الجواب، أستورد لهم حب العمل، والحرص على المال العام، واحترام المرأة والوقت، وفتح المجال الإعلامي، ومحاسبة النفس، وبناء بلدهم، والقضاء على الرشوة والمحسوبية، وماذا أيضا؟ قلت: ثقافة التدوال على السلطة واحترام الرأي الآخر، وتغيير الوزراء كل سنتين أو ثلاث، وحل أحزاب الشياتين والوصوليين، وبعض الصحف الرخيصة، وما بقي من حزب فرنسا. كان هذا هو مشروعك التجاري الذي قادك إلى الصمت أمام القاضي، وليتك قلت ذلك في المحكمة، هل كنت تخاف تدخل جماعة الميناء وسي فلان وعلان، وضغط الوزير وسمعة الزاوية، ربما؟ ولكن الأمر وصل الآن إلى المحكمة العليا بعد أن تكشف أمر سفينة القمح التي كنت تنتظر وصولها إلى الميناء، والحق أنها وصلت ولكنك لم تعلم بذلك، لكن صحف الصباح من ذلك اليوم كتبت عن سفينة المحارق والويسكي والبطاطا المغشوشة، ولو‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬بينهم‭ ‬لكتبت‭ ‬بالبنط‮ ‬العريض‭ ‬هكذا‭ ‬يكون‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬أولاد‭ ‬الحلال‭ ‬وأولاد‭ ‬الحرام‭.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • yazid

    trés bon travaill et articl fort

  • ramdan

    اللهم عليك بظالمين واعوانهم وانصارهم وجنودهم واتباعهم وشياتيهم!!! من الانس والجن
    اللهم احصهم عددا وقتلهم ياربي بددا ولاتغادر منهم ياربي احدا

  • بدون اسم

    شكرا على المقال تحية

  • ahcene

    merci cest vrai

  • حسام الدين

    شكرا على مقالك الرائع ونتمنى من الحق ان يسود الباطل وان يعرف اولاد الحرام بان دولة الحرام ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة

  • جمال

    الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات

  • كمال

    بن بيتور ولد حلال.

  • ابو عقبة

    شكرا على هذا المقال المعبر و المؤثر و تشخيص الداء انما الهدف منه ايجاد الدواء ولكن لا حياة لمن تنادي وسيبقى الوطن يعاني من أبنائه المنتفخة بطونهم والشاردة عقولهم والذين لايؤمنون الابمصالحهم الشخصية ويقتاتون على جماجم الموتى الذين لا حول لهم ولا قوة الى اشعار آخر.

  • ايوب

    مقال مؤثر فعلا ولكن ولاد الحرام ما خلاوش حاجة لاواد الحلال
    المليح راح مع القبيح