“أولاد الكلب”!

فيصل القاسم

2009/12/30
80167
222

شارك أحد الأشخاص ذات مرة في برنامج تلفزيوني كان مخصصاً لمناقشة السياسة الأمريكية وتصرفات الرئيس الأمريكي، فما كان من المشارك إلا أن شن هجوماً عنيفاً على ساكن البيت الأبيض مستخدماً ضده أبشع الأوصاف التي وصل بعضها إلى حد السباب والشتائم.

ولما عاد الشخص إلى بلده أخبرته زوجته بأن مكتب الرئاسة اتصل به عدة مرات، وبأن الزعيم يريد أن يقابله في أسرع وقت. فدب الخوف في أوصال صاحبنا، وظن أن الأمر خطير جدا، خاصة وأنه شخص غير مرغوب فيه لدى الأوساط الرسمية بسبب آرائه ومواقفه السياسية المعارضة للحكم في بلده وللسياسة الأمريكية. وظن أخونا أن عقابا شديدا ينتظره لما كان قد تفوه به خلال البرنامج التلفزيوني ضد الرئيس الأمريكي. لكن العكس تماما قد حدث، فما أن عاد إلى بلده حتى اتصل بالمسؤول الكبير الذي طلبه أثناء وجوده خارج البلاد، فرد بصوت مفعم بالترحاب والثناء، ففوجئ صاحبنا كثيرا، خاصة بعد أن أخبره المسؤول بأن زعيم البلاد كان في غاية النشوة والسعادة، وكان مستمتعا أيما استمتاع بالهجوم الذي شنه ذلك الشخص على الرئيس الأمريكي ووصفه إياه بالمجرم والساقط والسافل. وأخبره أيضا أن سيادته يهنئك على أدائك الرائع، وسر والله يرعاك، ولا تتردد في الاستمرار بالنيل من “أولاد الـ…” وفضحهم.
وقد سمعت من مسؤول عربي آخر ينتمي إلى بلد معروف بأنه أمريكي الهوى حتى النخاع، سمعت منه كلاما يشبه كثيرا قصة صاحبنا الذي هنئه زعيم بلده على إهانة الرئيس الأمريكي تلفزيونيا. فذات يوم دخل مسؤول عربي على زعيم آخر كي يودعه قبل توجهه إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر، فطلب منه الزعيم بالحرف الواحد: “أن يدير باله من أولاد الكلب، أي المسؤولين الأمريكيين. ولو قارنا الموقف السياسي الرسمي للزعيم المذكور بموقفه الشخصي من الأمريكيين لوجدنا البون شاسعا للغاية، فبينما تبدو سياسة بلاده في العلن موالية للبيت الأبيض قلبا وقالبا، إلا أن النظام الحاكم لا يستطيع سرا إلا أن يلعن الأمريكيين كما يلعن إبليس اللعين.
وذات يوم توجه زعيم عربي معروف بولائه المطلق للأمريكيين رسميا إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وعندما وصل إلى البيت الأبيض ظل ينتظر لفترة طويلة بانتظار أن يقابل الرئيس، وعندما طلبه بوش بعد طول انتظار، عامله بطريقة سافلة للغاية، وكأنه خادم عنده، كما أسرّ الزعيم العربي لمن قابلوه لاحقا. وطبعا قال ذلك الزعيم بحق بوش في السر فيما بعد كلاما لا يقل حدة عن كلام زميليه المذكورين أعلاه.
هل الحكام العرب مجبرون على التسبيح بالحمد الأمريكي على مضض على مبدأ: “رحم الله امرأً عرف قدر نفسه فوقف عنده”؟ هل هم مغلوبون على أمرهم؟ هل فعلا يتمنون لو كان بإمكانهم أن يمسحوا الأرض بالرئيس الأمريكي والسياسة الأمريكية عموما على رؤوس الأشهاد، لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”؟ هل يعملون بالمثل الدارج:
“اليد التي لا تقدر عليها قبــّلها وادع عليها بالكسر”، كما ظهر من خلال تشفـّي بعضهم بتحقير الرئيس الأمريكي على شاشات التلفزيون، أو بإطلاق أسماء حيوانات على المسؤولين الأمريكيين؟ أم إنهم اختاروا الذل والخنوع للسيد الأمريكي وغيره بمحض إرادتهم؟ ألا يبقى التحدي والحفاظ على الكرامة الشخصية والوطنية بشكل علني ممكن جدا على الصعيد العربي لو كان حكامنا منتخبين ديموقراطياً، ويمثلون شعوبهم فعلاً؟ فالحاكم المنتخب أكثر قدرة بكثير من الحاكم القادم على ظهر دبابة أو باستفتاءات مفبركة أو ببيعات مغلقة في مواجهة أمريكا وغيرها. فمثلا الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز يستطيع أن يقول عن الرئيس الأمريكي وكل أفراد إدارته كلاما أقوى بكثير مما يقوله الحكام العرب في السر. وقد سمعنا تشافيز وهو يصف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة غوندوليزا رايس بأنها “جاهلة وبحاجة لدروس في محو الأمية”، ناهيك عن وصفه لجورج بوش بـ “الشيطان” و”هتلر” وشتمه بعبارات أشد احتقارا جهارا نهارا. لماذا يجرؤ تشافيز على وصف أمريكا بأقذع الأوصاف علنا، بينما يقولها زعماؤنا همسا، لأن تشافيز مؤيد من الغالبية العظمى من الشعب الفنزويلي، وعندما دبر الأمريكيون ضده انقلابا أعاده الشعب الفنزويلي إلى الحكم خلال سبع وأربعين ساعة بالتمام والكمال رغما عن أنف البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات الأمريكية الضالعة في معظم الانقلابات في أمريكا اللاتينية. أما زعماؤنا فهم مضطرون لشتم الأمريكان همسا لأنهم إذا غضب عليهم الرئيس الأمريكي فلن يجدوا أحدا من شعبهم لحمايتهم أو التصدي للمعتدين عليهم. فالزعيم القوي هو الذي يستمد قوته من وطنه وليس من كفلائه الخارجيين.
ولا ننس أن القيادة التركية قالت بالفم الملآن للأمريكيين “لا”، عندما أرادوا غزو العراق عبر الأراضي التركية. لماذا؟ لأنها كانت مسلحة بموقف البرلمان التركي المنتخب شعبيا، وليس معينا من الرئيس أو رئيس الوزراء وكلاب صيدهما.
صحيح أن بعض العرب كان يشتم الأمريكيين صبح مساء في وسائل الإعلام أكثر من تشافيز، لكن ما أن أظهر لهم العم سام العين الحمراء، حتى صمتوا صمت الحملان، لا بل كانوا مستعدين لتسليم الأمريكيين سكاكين المطبخ كي يرضوا عنهم. وهذا ما لم ولن يفعله زعيم منتخب ديموقراطياً وقادم إلى سدة الحكم بأصوات شعبه.
وكي لا يُفهم من كلامنا أننا نزلنا بالخطاب السياسي إلى مستوى لغة أولاد الشوارع، أريد أن أذكــّر بأن الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان كان أول من وصف أحد الزعماء بـ “الكلب المسعور”. بعبارة أخرى ، فإن البادئ أظلم.
فيا أيها الحكام العرب الذين تستمتعون بالإصغاء لمن يسب الرئيس الأمريكي، ويشتمه على شاشات الفضائيات، ويا من تلعنونه سرا، وتصفونه بأسماء الحيوانات المذمومة، بإمكانكم يوما ما أن تلعنوه علنا لو تسلحتم بقوة شعوبكم. لكن هل أنتم مستعدون فعلا لاستبدال حصانتكم الخارجية بحصانة شعبية وطنية؟ ألم تسمعوا بالمثل الشعبي: “الثوب المستعار لا يدفئ، وإن أدفأ فلا يدوم”؟، بينما الثوب الوطني يُدفئ ويدوم.

شارك المقال

محمد الرمشاوي

2009/12/31 - 05:28

قبل أن أبدأ تعليقي و تأييدي المطلق لا ما قلت با فيصل با قاسم أرجوا من إخواني القراء أن لا تعبروا اهتماما لصاحب التعليق رقم 9 خالد : السودان و رقم 18 roiducondor : الجزائر العاصمة لأنهم مكشوفون عند الجميع ، فلا الأول سوداني و لا الثاني جزائري، بل هم من المخابرات الصهيونية تندس بين أراء المواطنين كالشيطان عندما يوسوس في نفس الإنسان حتى بوقعه.
أما ما جاء به الأخ فيصل لا بختلف علبه اثنان بعد تمعن عن قرب و بصيرة و المعروف أنه عندما يصعب على الإنسان المسلم الاستنتاج في المسائل المستعصية أنه يبحث عن استدلال أو قياس بآية قرآنية أو حديث شريف لبرى في ما بعد ما عاقبة هاته المسألة أو الموقف، ولا أرى في مقاله يصب إلا في إناء الخير أمتنا العربية الحفل تاريخها بالشموخ و الكبرياء إلى أن لوثنا هؤلاء العملاء المحسوبين على أمتنا العربية بلا تأييد من شعوبهم. إن المتمعن في السياسة العربية المنتهجة مع قضية فلسطين و خاصة غزة يجد و كأن العرب في سدة كالقطعان ينتظرون الجزار ليعرفوا من هو دوره اليوم ليعلق من رجليه في المحل، ألسنتهم خرست نهائيا و كأن المر لا يعنيهم البثة. وإذا تمعنا بصفة أدق في الموقف المصري إزاء القضية، و لأنه معني أكثر من غيره بحكم الجوار، فنجد أشياء تقع لا يريد أن يتقبلها العقل العربي المشبع بالقيم و الأخلاق و الواجبات الدينية نحو إخواننا الغزاويين بغض النضر على انتماءات بعضهم لحزب معين أو آخر، لأنهم في النهاية في سلة واحدة و مصيبتهم واحدة. القارئ لما وقع أثناء العدوان الغاشم على غزة لسياسة مصر، و تصديها لكل المحاولات الإستعجالية الإستشفائية على المعابر و الصمود و تحمل كل أنوع الانتقادات من الشعوب العالمية قاطبتا يطرح أكثر من سؤال على من يحكم مصر؟ أو ما هو السر الدفين الذي يعرفه إلا الإسرائيليون و الولايات المتحدة تجاه مصر لتجعلها أضحوكتا للعالم ترضخ و تنبطح لأي قرار يريدونه الصهاينة سواءا كانوا بالجوار أو مرابطين في البيت الأبيض. لو سئلنا أي أحد لم يجلس ولو مرة على طاولة تعليم الأبجدية للحروف عن رأييه في ما يقع للغزاويين، سيقول بالحرف الواحد و الله هذا حرام من حقهم تمتع بالحرية... فما بالك من من يشدد على قراره و يتعنت و كأن الأمر هين و لا يعنيه، يقول بالحرف الواحد لن نتراجع على موقفنا تجاه الجدار الفولاذي؟ بل لا يسمح حتى بتقديم يد العون للغزاوببن من من يريدون أن يطعموا اخواننا و نحن أولا في الحقيقة كعرب بحكم الملة و الدين من يباشروا بمد يد العون لهم! ليس هذا فحسب بل يريدون أن يعاقبوا من يعينهم و إلا فما تفسير تعذيب موكب شرايين الحياة بقيادة (إنجليزي الأصل مسلم العقيدة بعيدا عن دسائس السياسة التي قد تقرأ من هنا أو هناك في هذا المجال) ليعود عن طريق البحر لتستهدف سفينتهم من طرف البوارج الإسرائيلية و تصدّر في ما بعد أو لتعكّر قبل استلامها هؤلاء المساكين!!! إن القارئ أيضا لهذه السياسة يشعر أيضا أن مصر من مواقفها نحو حزب الله و ايران بالأخص التي كانت بالأمس القريب قبل أن تكشر أمريكا أنيابها تجاهها بلد صديق لمصر إلى حين أن أتتها تعليمات من البيت الأبيض لتحويل سياستها تجاهها و لتصطنع لها أمرا تجعل زعيم مصر يخطب في كل المناسبات مهددا لإيران وهذا لترسيم الحجة عندما يحين الوقت لضرب ايران ان استاطعت اميكا و حلفائها طبعا، حينها ستبسط مصر كل أراضيها للعدو من أجل التزود و الإغارة بحجة أن أيران بعد الوعيد أنها أصبحت عدوة و مركز خطر إرهابي على مصر و شعبها!!! يا للعجب على أمة تختلق الأكاذيب و تصدرها لشعبها و تصدقها... إن أمن المنطقة العربية و الإسلامية لا يكمن إلا في تلاحم هذه الدول و ليس التفرقة، و العامل الديني هو النواة القوية و الحصن الأحصن و هو الحافز في المنطقة، بعيدا كل البعد على التيارات الطائفية أو الحزبية لكل منطقة، لكن لا مجال هنا لتعول على هذه الحكومات فقد انكشف غطائها و باتت صهيونية رهيبة متشددة أكثر من بني صهيون أنفسهم في اسرائيل أو أمريكا، لابد من أن نعول على الشعوب هنا مع بعض العلماء الأجلاء الذين لازالوا مرابطين يشعرون بالحمل الكبير أورثوه ليبلغوه و الله لا يخذل عباده المتوكلين عليه.
و شكرا على المقال الأخ فيصل