الرأي

أولمبياد الرياضيات: وزارة التربية تصيب.. وتخطئ!

جرت في الفترة بين 22 و28 سبتمبر الجاري منافسات الأولمبياد العالمية في الرياضيات إذ كان من المقرر أن تكون، كالمعتاد، خلال شهر جويلية الماضي. وقد نُظِّمت هذه السنة في روسيا، بمدينة سنت بطرسبورغ (لينينغراد سابقا)، المدينة المعروفة كمعلم تاريخي وسياحي ورياضياتي عبر العصور. وكانت السلطات الروسية تلحّ على إجراء المنافسات في هذه السنة رغم جائحة كورونا بدلا من تأجيلها إلى السنة القادمة. وفي آخر المطاف، تم الاتفاق مع اللجنة العالمية لأولمبياد الرياضيات على إجرائها عن بعد خلال هذا الشهر.

الرأي الصائب

نظرا للظروف التي تعرفها كل البلدان جرَّاء انتشار فيروس كورونا فإن هذه السنة تعتبر استثناء في كل شيء، خاصة في المنافسات التي تتطلب حضورا جسديا. كما أن الظروف القاهرة لم تسهِّل لأي بلد القيام بالتدريبات اللازمة والكافية لمثل هذه التظاهرات التي تبرز فيها المواهب ذات المستوى العالمي ويظهر خلالها ألمع الباحثين المستقبليين في بحر الرياضيات. والتلاميذ الجزائريون الذين اختيروا للمشاركة عانوا كثيرا لأنه تعذّر على وزارة التربية توفير إمكانيات تدريبهم، وهذا لعدة أسباب، منها تفشّي جائحة كورونا، وأيضا النقص في التأطير وتسارع الأحداث… أضف إلى ذلك قائمة الأولويات التي تعمل بها الوزارة في هذه الظروف الاستثنائية.
وفيما يخص المشاركة من عدمها، كان هناك خياران أمام وزارة التربية:
– الخيار الأول: المشاركة في الأولمبياد بنخبة من التلاميذ لم يتدرَّبوا على هذا النوع من المنافسات العالمية القوية التي جمعت هذه المرة 105 دول مشاركة… وذلك حتى لا تنقطع الجزائر عن المشاركات فيها، وحتى لا يتكرر الانقطاع الذي عرفناه قبل الآن، ودام 11 سنة متواصلة.
– الخيار الثاني: يقول إن النتيجة ستكون كارثيّة، وستكون مرتبة الجزائر 105 من بين 105 دول مشاركة؛ ولذا يستحسن ألا نشارك.
وقد تبنّت وزارة التربية الخيار الأول. وما دفعها إلى ذلك -حسب ما بلغنا- أن الظروف القاهرة التي نعيشها مع كورونا لا يجهلها أحد وسوف يتقبّل كل منا النتائج التي ستسفر عنها المنافسات. ثم إنه لأول مرة تتم فيها المنافسات عن بُعد، والجزائر عازمة على المشاركة في منافسات أخرى في اختصاصات مختلفة، ومنها أولمبياد إفريقية ومتوسطية، وأخرى اعتادت إيران على تنظيمها عن بُعد في الرياضيات… ولذلك ينبغي أن يدخل تلاميذنا الموهوبون معمعة التنافس عن بعد، لاسيما أن التوجه العام في العالم يسير نحو تكثيف العمل عن بعد حتى بعد زوال جائحة كورونا لأنه أقل تكلفة. وحتى يعرف القارئ مقدار التكلفة نشير إلى أن مشاركة الجزائر قبل سنتين في أولمبياد الرياضيات بـ6 تلاميذ في البرازيل كلّف مئات الملايين. لكل ذلك، وربما لأسباب أخرى، فضلت الوزارة المشاركة.
وهكذا، سهر طاقم الوزارة وطاقم ثانوية الرياضيات بالقبة على تهيئة المناخ المناسب وتجهيزات القاعة لهذه المنافسات لأن اللجنة العالمية ألزمت كل دولة مشاركة بإعداد قاعة خاصة مجهَّزة بطريقة دقيقة وبأحدث الوسائل والآلات. كما فرضت تنصيب آلات تصوير حديثة بحيث يكون كل ما يجري في القاعة مرئيًا في كل لحظة للمراقبين الدوليين خلال مجريات المنافسات التي دامت يومين (22 و23 سبتمبر) وبعدها. وفي هذا السياق، لا بدّ من التعبير عن الامتنان لأحد الخيّرين الخواص الذي لم ينقطع منذ خمس سنوات على مدّ يد العون المادي لوزارة التربية كلما تعلق الأمر بهذه المنافسات.

الرأي الخاطئ

هذا جميل. لكن ما ليس جميلا هو أن تمرّر وزارة التربية هذا الحدث وكأنه “لا حدث” إذ لم يسمع به الإعلام إلى حد كتابة هذه السطور. ومن الواضح، أن هذا التعتيم مقصود من قبل الوزارة ومسؤوليها! لم نفهم السبب رغم بحثنا عنه. وكان أدْعَى أن يغطي الإعلام هذا الحدث تغطية رسمية تليق بمكانة النخبة… وأن تشرح الوزارة للمواطن حيثياته باعتبار أن هذا الأخير ليس غبيا، ولا يطلب المستحيل، وهو يعيش الوضع الذي فرضته كورونا على العالم منذ مطلع السنة. فالإعلان عن مشاركتنا كان سيثبت أن الوصاية ماضية، رغم الصعوبات، في أداء مهامها كافةً، لاسيما مهمتها إزاء المواهب. وكان على الوزارة أن تشرح لماذا اختارت المشاركة، وحججها ستكون -لو قُدمت- مقبولة إلى حدّ كبير لدى المتتبعين.
أما الخطأ الثاني الذي ارتكِب فهو يتمثّل في كون القاعة التي جُهِّزت في ثانوية الرياضيات -بغرض متابعة المنافسات والتصحيحات والتعقيبات بالتواصل مع اللجنة العلمية- قد تم غلقها في اليوم الثالث من المنافسات! وهذا ما لم يسهِّل على المكلفين رسميا بموضوع التصحيحات والتعقيبات البقاء على اتصال (كما هو مطلوب منهم) من قبل اللجنة العالمية والمنظمين في روسيا. بل لقد سبّب هذا الإجراء بعض التشنُّجات لدى المعنيين بهذا النشاط ساءت إلى حسن سير عملية المتابعة.
وعلى كل حال، فالنتيجة النهائية لهذه المنافسات تشير إلى أن الجزائر صنّفت في المرتبة 100 من بين 105 دول مشارِكة… قبل الكسمبورغ وكينيا وعُمان. ونظرا لما نعرفه عن مستلزمات التحضيرات لهذه المنافسات، ونظرا لكون تلاميذنا لم يخضعوا تقريبا لأي تدريب فإننا نعتبر هذه النتيجة سيئة، لكنها غير كارثية.
نستخلص من هذا كله أن ما حدث ينبغي أن يحفّز الوصاية على معالجة موضوع المنافسات العلمية بجدّ، وأن تضع له الإطار المناسب -من نصوص قانونية وطاقم دائم مسيّر ومدربين أكفاء- لتضمن مشاركة فعَّالة لبلادنا في جميع المنافسات العلمية العالمية مهما كانت الظروف.
ولا يسعنا هنا إلا أن نهنّئ الشقيقة سوريا التي صُنفت في المرتبة الأولى عربيًا (المرتبة 47 من بين 105 دولة مشاركة، بميداليتين فضيتين وأخرى برونزية وتقديرين “مشرف”) رغم المحن التي تمرّ بها… وليصمت المنتقدون الذين يلومونها بدعوى -وقد تكون حقيقة- أن مدربي التلاميذ السوريين هم من إيران التي فازت في هذه المنافسات بالمرتبة 18. ولِمَ لم يتساءل هؤلاء عن جنسيات مدربي الفرق الوطنية لكرة القدم عبر العالم؟! وتهانينا أيضا للمملكة السعودية التي صُنفت في المرتبة الثانية عربيا (المرتبة 59 عالميا، بميداليتين برونزيتين وثلاثة تقديرات “مشرف”).
كلنا أمل في أن تنصّب وزارة التربية قريبا هيئة دائمة توكل لها مهمة تدريب النخب على المشاركة في المنافسات العالمية من هذا القبيل، وذلك حتى نترك وراءنا أسلوب الارتجال، ونبتعد عن التسيير حسب المزاج دون رؤية مستقبلية.

مقالات ذات صلة