أيامٌ عصيبة أمام المسلمين
يبدو أن فرنسا تريد معالجة تداعيات تفجيرات باريس على حساب الجالية المسلمة، التي تعيش على أراضيها، وليس عبر مراجعة سياستها الخارجية وتدخّلها في مالي وسوريا ودول أخرى.
وحينما يدعو الرئيس هولند إلى تعديل الدستور، قصد إزالة الحواجز القانونية، التي كانت تقـيّد الأمن الفرنسي، فيما يتعلق بالاعتقال بالشبهة، والتقنين للاعتقال الإداري للمشتبه فيهم، فإن ذلك يعني أن الملايين من مسلمي فرنسا مقبلون حتما على أيّام عصيبة، يمكن خلالها لأي شرطي أن يعتقل أي مسلم بمجرد “الاشتباه” في أنه “متطرّف” أو “ينوي” القيام بعمل إرهابي في فرنسا. وبعدها يُزجّ بهذا “المشتبه فيه” في السجون لأوقات غير محدّدة، بذريعة أنه “يُشتبه” في أنه “يشكل خطرا على الأمن الفرنسي”، تماما كما يحدث في الكيان الصهيوني من اعتقالات إدارية تعسفية تطال مئات الفلسطينيين “المشتبه فيهم”، الذين يعتقلون أشهرا طويلة دون محاكمة. وهي التجربة التي يبدو أن فرنسا قد تأثرت بها وتريد استنساخها في تنكّر واضح لقيم “حقوق الإنسان” و”الحرية”، التي طالما تشدّقت بها واعتبرت نفسها عاصمة لها.
ما ستعيشه فرنسا بعد تعديل دستورها قريبا، سيكون بمثابة تقنين لـ”الإسلام فوبيا”، أي إن هذه الآفة التي كانت مقتصرة على اليمين المتطرّف فيها، ستتحوّل الآن إلى سلوك دولة يضبطه دستورٌ وقوانين وتشريعات.
أما على الصعيد الشعبي، فحدّث ولا حرج؛ فبذنب 8 مسلمين قاموا باعتداءات باريس الأخيرة، يقوم اليمين المتطرف وكل الحاقدين على الإسلام والمسلمين بفرنسا، بشنّ حملة كراهية شديدة ضد ستة ملايين مسلم يعيشون في هذا البلد، برغم أنه من غير المنطقي محاسبة هذا العدد الكبير من المسلمين بذنب نفرٍ منهم يحملون الجنسية الفرنسية.
تنظيم مظاهراتٍ ضد مسلمي فرنسا، والدعوات إلى طردهم منها، والاعتداءات عليهم، وإحراق المساجد وتدنيسها… وغيرها من التصرّفات الاستفزازية التي تعبّر عن كره الإسلام والمسلمين، لا يمكن أن تخدم استقرار فرنسا ووحدتها، وقد تدخلها في دوامة من الاضطرابات الاجتماعية والمواجهات التي لا تحمد عقباها.
لا شكّ أن اعتداءات باريس الإرهابية قد قدمت خدمة ثمينة للحاقدين من اليمين المتطرف وأجّجت أحقادهم وكراهيتهم للإسلام والمسلمين، ولكن لماذا سكت هؤلاء عن الشاب المسلم زهير الذي منع انتحاريا من دخول ملعب فرنسا وأجبره على الفرار، وجنّب بذلك عشرات المتفرجين مجزرة في صفوفهم وربما مجزرة أخرى في صفوف المئات بفعل التدافع الناجم عن رعب الانفجار؟ لماذا لم يركز هؤلاء الحاقدون، قبل ذلك، على المسلم المالي الحسن باثيلي الذي أنقذ 15 يهوديا من مجزرة بمتجر يهودي بباريس في أوائل جانفي الماضي بعد أن أخفاهم في الطابق الأرضي بعيدا عن أعين المالي الآخر كوليبالي الذي كان ينوي ارتكاب مجزرة في المكان؟
إذا كان هناك مسلمون طالحون، فهناك مسلمون صالحون، لكن اليمين المتطرّف بمهاجمته المسلمين في فرنسا دون تمييز، وإهانة رموزهم، يريد التعميم وتجريم الجميع.. والأدهى أن الدولة الفرنسية ستضفي الشرعية على تجاوزات هذا اليمين بالإجراءات التي تنوي القيام بها في حق المسلمين بعد تعديل دستورها عوض أن تراجع سياستها الخارجية.