أين الحزام؟ وأين القوة لشدّه؟
لا يمكن لعاقل جزائري، أن يطلّع ويتحسّس هذا الانهيار المريع في شكل سقوط حرّ لأسعار النفط في الأسواق العالمية، من دون أن يتوجّس خيفة، إن لم نقل ولّى من هول الحدث فرارا، ومُلئ منه رعبا.
فالخنجر الذي دفناه، منذ أن امتلأت الخزائن بملايير الدولارات، عاد ليبلغ الحلقوم، وصار قاب قوسين أو أدنى من بلوغ عملية الذبح، التي كانت منذ زمن طويل، قدرا، فجاء اللطف فيه، واستحال تفاديه.
ولأننا لم نغتنم خمسا قبل خمس، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، شبابنا قبل هرمنا، وصحتنا قبل سقمنا، وفراغنا قبل شغلنا، وغنانا قبل فقرنا، وحياتنا قبل مماتنا، جاءت الضربة موجعة، وواضح أننا ضيعنا فرصة إنقاذ أنفسنا من الهزة النفطية، لأننا قضينا فترة شبابنا البترولية في استهلاك الكماليات، وصحتنا في تعاطي الممنوعات، وغنانا في التبذير والإسراف، وفراغنا في ملئه بالفراغ، وحياتنا في عدم انتظار الممات الكريم، فصار ما يدعو إليه رجال الاقتصاد والساسة من ضرورة شدّ الحزام لفترة قد تكون طويلة إلى أن يرتفع سعر النفط –إن بقي نفطا بعد هذه السنوات العجاف– غير مُجد، لأنه في الأصل لا حزام لدينا، ولا قوة تمكننا من شدّه، بعد أن اتحدت السلطة والشعب، على أن يدخلوا حانة الضياع معا لاحتساء كؤوس النفط التي بقيت في الآبار، من دون أن يكون فيهم رجل رشيد، يدعو إلى بناء دولة لا تكون إنجازاتها من وهم النفط، وشعب يطالب بحقوقه بعد أن يؤدي واجباته.
الدولة التي اعترفت بالفعل وبالقول، في العديد من المناسبات، بأنها تشتري السلم الاجتماعي من كل الأسواق الشعبية والفوضوية، التي غرسها المواطنون في كل المدن والقرى، حتى ولو كانت هاته البضاعة السِلمية مغشوشة، ستجد صعوبة في إقناع المواطنين بضرورة دخول سنوات تقشف، لأن غالبية المواطنين مصرّون على أن التقشف الوحيد الذي يمكن ممارسته في الجزائر، يجب تطبيقه على رجالات الدولة، وبين رمي الحزام هنا وهناك، وبذل الجهد في تبادل التهم، تمزّق الحزام وتبخرت قوة الشدّ، وصار هذا الحلّ غير وارد إطلاقا، رغم أن المختصين يرونه الحل الوحيد، حتى لا يتكرّر ما حدث في الصدمة البترولية التي هزّت دول الأوبيب والجزائر بشكل خاص في سنة 1985 وما بعدها، عندما رفض النظام في عهد الشاذلي بن جديد شدّ الحزام والتقشف، بعد أن قارب سعر برميل النفط عشرة دولارات، فراح يستدين لأجل اقتناء الموز والجبن السويسري، فأنهى عهدته بين أنياب صندوق النقد الدولي، وترك البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية، وخاصة أمنية كادت تقضي عليها بالكامل.
التاريخ قد يعيد نفسه، ولكن في كل الأحوال بملامح مختلفة، فقد مرّت ثلاثون سنة عن الهزة البترولية السابقة، عندما لم يكن في العظم وهن، ولا في الرأس شيب، ولم يقرع حينها العمر.. عِتيا.