الرأي

أين العلم من السياسة اليوم؟

محمد سليم قلالة
  • 922
  • 10
ح.م

لماذا يَعتَبر السياسي باستمرار رأي العلم والعلماء رأيا استشاريا، رغم أن العقل والمنطق يقولان ينبغي أن يكون إلزاميا، لأنه لا يوجد أعلى من العلم؟ بل لماذا يقبل علماء القانون الدستوري مثلا أن يضعوا الهيآت العلمية دائما في آخر الدساتير تحت باب الهيآت الاستشارية، رغم أنهم هم واضعو الدستور وليس السياسيين؟ لماذا لا تكون الكلمة الفصل في الدساتير لهيآت العلماء؟ ولماذا لا تُعتبر سلطتهم على الأقل إحدى السلطات وتسمى “سلطة العلماء”؟ هل لأن الأمر يتعلق بطبيعة أنظمة الحكم التي لم تكن لتسمح للعالم إلا بدور الاستشارة وتقديم الخبرة؟ أم لأن أهل العلم لا يصلحوا أن يكونوا أهل سياسة ولم يكونوا كذلك عبر التاريخ؟

المعلوم أن قصة “العالم والسلطان” أو “الفقيه والسلطان” كما في أدبياتنا السلطانية، معروفة النشأة تاريخيا، وقلَّما كانت فيها الغلبة للعالم على السلطان، رغم أن أحد السياسيين المعاصرين خَطَب ذات مرة أمام الحائزين على جائزة “نوبل” في مختلف التخصصات قائلا: لقد وَلَّى الزمن الذي كان فيه العالم يقترح والسياسي يحكم، اليوم أصبح العالم هو مَن يقترح وهو مَن يحكم… باعتبار أن تسيير شأن الدولة والاقتصاد ومختلف مناحي الحياة أصبح يتطلب عِلما بالضرورة، إن لم يكن اختصاصا دقيقا في أكثر من مجال…

هل مثل هذه التصريحات تُعَد من باب الديماغوجية، ومن باب ممارسة السياسة على العلماء؟ أم هي حقيقة تعمل بها الدول المتقدّمة، وتختفي لدى بقية العالم، حيث مازالت السياسة بمفهومها الشعبوي مُهيمنة؟

في العالم المتقدّم، هي حقيقة أكثر من أي وقت مضى برغم ما يبدو على السطح في بعض الأحيان من وجود لسياسيين بلهاء.. كلُ أمرٍ مدروس بمقدار لديهم، لا مجال لتسيير الدولة أو إقامة أركانها دون الارتكاز على العلم، ويُخطِئ من يعتقد ذلك.

من بين ما جاء في إحدى محاضرات أستاذنا الدكتور وليد عبد الحي الأخيرة قوله: اذكروا لي أي عمل قام به الرئيس “بوتين” في روسيا في السنوات الأخيرة، وسأدلكم على الصفحة التي ذُكر فيها ذلك في كتاب “الاسكندر دوغين”!… ومن بين ما نعلم أنه لا توجد سياسة أمريكية ولا غربية ولا شرقية تُنَفَّذ اليوم دون أن يكون لها أصل في أحد مراكز البحث التي تُعِدُّها بإحكام سواء كانت ذات طبيعة سياسة أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها؟

فأين نحن من هذا؟ متى  نصل إلى مرحلة نُثمِّن فيها دور علمائنا في الداخل والخارج بدل كل هذه الأساليب الديماغوجية في تسيير الشأن العام؟ متى نُلزِم بالقانون، وإن اقتضى الأمر بالإكراه السياسيين على تنفيذ ما يراه العلماء وليس العكس؟ بل متى نصل إلى إيجاد ذلك التكامل المطلوب بين العلم والسياسة؟

يبدو لي أننا اليوم في حاجة إلى إثارة ذلك على الصعيد الدستوري والسياسي والشعبي لنخرج من مرحلة الكل فيها عالم، إِنْ في الدين أو الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة أو الهوية والتاريخ… الخ. وبدل أن نُبقي هيآت العلماء المختلفة ضمن خانة الاستشارة، علينا نَقْلها إلى باب الاستشارة الملزمة على الأقل، إن لم يكن إلى باب السلطة الفعلية، إن لم يكن إلى باب مركزي تُصبِح فيه محركا لكافة السلطات.. ألا نستعيد بعض الأمل بمثل هذا؟

مقالات ذات صلة