-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين المؤسسات العربية – قاعدة “قوم وإلاّ طَلِّقْ”!!

أين المؤسسات العربية – قاعدة “قوم وإلاّ طَلِّقْ”!!

كنت تلقيت دعوة للمشاركة في المؤتمر القومي العربي الذي عقد في العاصمة اللبنانية شهر يوليو من العام الماضي، لكن مشاعري كانت متناقضة تجاه المشاركة.

من جهة، كنت أحس أنني، كمثقف عربي، عليّ أن أنتهز كل فرصة لقول ما أراه حقا فيما يتعلق بما اصطلح على تسميته قضية العرب الأولى، والتي لم تعد كذلك عمليا منذ زيارة الرئيس السادات للقدس المحتلة ثم مرورا بأوسلو ووادي عربة، وجاءت النهاية المنطقية للانبطاح عندما هرولت قيادات عربية نحو إقامة علاقات مع العدو التاريخي للأمة، وذلك تحت عنوان خادع أسْمِيَ: “التطبيع“، وشربناه في معظمنا بسذاجة فتاة شربت “حاجة صفرا”، في حين أنه يعني عودة أمورٍ ما إلى وضعيتها الطبيعية، بينما لم تكن العلاقات مع الواقع الصهيوني أمرا طبيعيا، إلا في أذهان قيادات معينة تتناقض الإشارة الاسمية لها اليوم مع المقولة الشهيرة : اذكروا محاسن موتاكم..

لكنني من جهة أخرى لم أكن أنظر لقيادة المؤتمر الحالية بنفس الثقة التي كنت أشعر بها منذ عدة سنوات لأسباب لا أظنها تخفى على أحد، وتصورتُ أن كل ما كان يمكن أن أقوله سيذهب أدراج الرياح، وهكذا عدلت عن المشاركة ووفرت تكاليفها المالية.

وهكذا قررت أن أخاطب مجموع المؤتمر برسالة مفتوحة أقول فيها ما أراه، وهو ما حدث فعلا قبل ثلاثة أشهر من زلزال السابع من أكتوبر 2023، وعرضت في الرسالة تسلسل الأحداث التي أعرفها بالنسبة للقضية الفلسطينية… (التي تلقت ضربات قاصمة عبر السنوات الماضية، وتوالت النكسات في الرقص “الأهبل” بين “مدريد” و”فاس”، وتمخض الجبل فولد فأرا اسمه “حل الدولتين”، والذي كان وراءه الصحفي الأمريكي فريدمان، وبالتنسيق المؤكد مع الحلفاء “التقليديين” للكيان الصهيوني.)

وكان هدفي الدعوة إلى اعتبار (حكاية الدولتين أغنية ممجوجة ثقيلة الدم، رفضتها إسرائيل منذ البداية، لكن القيادات العربية ما زالت تمضغها كعِلْك لا طعم له ولا رائحة، حيث أن تلميذ المدارس الابتدائية يعرف اليوم أن الضفة الغربية تتحول شيئا فشيئا، بفضل سرطان المستوطنات، إلى أرخبيل من التجمعات العدوانية، بينما أصبحت غزة مجرد سجن كبير) يحاصره العرب قبل الصهاينة.

وقلت: هنا يأتي دور المؤتمر القومي العربي، والذي ينص قانونه على أنه “يعمل على صعيد مستقل عن أجهزة الحكم”، بما في ذلك القيادة الفلسطينية بالطبع.

وأنا أرى أن على المؤتمر القومي العربي أن (يعلن اليوم سقوط فكرة “الدولتين”، ويطالب العالم كله، والقيادات العربية في المقدمة، باعتماد تكوين دولة واحدة متعددة الأديان والمذاهب، تتحول تدريجيا إلى واحة سلام في المنطقة وفي العالم).

ولم يكن هناك أي ردّ فعل على الرسالة، التي أكد لي أستاذنا عبد الباري عطوان بأن كثيرين في بيروت اطلعوا عليها.

وأقرأ أول أمس لأستاذنا فؤاد البطاينة، بعد أن منّ الله عليه بالشفاء من الوعكة التي أصابنا نبؤها بالقلق، أقرأ ما قاله بصراحته المألوفة: “لا مجال لتَصنُّع الجهل أو مزاولة الإستحمار أو الاستمرار بالتآمر.. حل الدولتين أو “الحل الخدعة” هو منتج بريطاني صهيوني تآمري جاء لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي من خلال خدعة تقسيم فلسطين لحشد التأييد لإنجاح زراعة الكيان الصهيوني الخزري فيها، وقد نجحوا آنذاك في تقنين زراعته بقرار من الأمم المتحدة، بعد أن كانوا قد تآمروا على منع إقامة الدولة الفلسطينية، ثم اعتمدوا هذا الحل الخدعة كحقنة تخدير لتمرير متطلبات تصفية القضية الفلسطينية، وما زالوا منذ ذلك الحين يستخدمونه لهذه الغاية، وينبشونه كلما دعت الحاجة ليعملوا تحت ستاره، وقطعوا في هذا مع المتآمرين العرب مراحل مهمة ولكنهم اصطدموا بصخرة المقاومة”.

ثم يقول: “نستذكر مهزلة وغرابة فشل الرباعية الدولية التي تمثل العالم بفرض هذا الحل، حيث عندما نشأت الحاجة الصهيونية لاستخدام حل الدولتين قامت الرباعية (أمريكا، روسيا، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي) بمسرحية العمل لسنين لتحقيق حل الدولتين، ووضعت خارطة طريق لذلك الأمر من ثلاث مراحل، وبالنهاية فشلت وانكفأت على نفسها بعد أن حققت للكيان انجازات كبيرة وبهدوء على طريق تصفية القضية، وثبتت تراجعاً وتنازلات جديدة على قرار التقسيم بالشكل والمضمون وعززت أوسلو، والأهم أنها ثبتت وأكدت على إنهاء أي نشاط مسلح، لاغية بهذا حق الشعب الفلسطيني في المقاومة”.

ويصل البطاينة إلى بيت القصيد قائلا: “ما يسمى بحل الدولتين هو في الواقع وهمي المُسمّى، معدوم الأسس الجغرافية والسياسية، واستخدامي الغرض، تآمري لا مكان له في القضية الفلسطينية، والحاكم العربي الذي يتكلم به هو بالضرورة خائن يضطلع بدورٍ، أو متواطئ يتخذه مهرباً، ما لم يكن جاهلاً أو عبثياً بقوله، وحينها من الخطورة أن يستمر بمنحاه الشمولي، ونعتبر بأن كل من يعتقد صدقاً لا تآمراً بوجود حلول سلمية لمسألة احتلالٍ، غير إزالته طوعاً أو كرهاً، هو بلا أفق، بل بلا أفق كل من يعتقد بأن هناك أدنى قناعة لدى الصهاينة المحتلين ولدى الشعب الفلسطيني على السواء بأن أية تسوية سلمية مها كانت ستكون قادرة على صنع سلام بين الطرفين”.

ثم يوضح الأستاذ فؤاد في ردّ على أحد القراء فيقول: “عندما ذكرت بالفقرة الأولى بأن حل الدولتين (هو منتج بريطاني صهيوني تآمري جاء لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي من خلال خدعة تقسيم فلسطين لحشد التأييد لإنجاح زراعة الكيان الصهيوني الخزري فيها فإنما أعني أن بريطانيا والوكالة اليهودية أدركوا آنذاك أن دول العالم أو أغلبها لا تتفق مع منطق وعد بلفور ولا تقبل بطرد السكان الأصليين من فلسطين واحتكارها من قبل اليهود، وبالتالي لن يوافقوا على إقامة دولة اليهود في فلسطين، ومن هنا عملت بريطانيا مع كثيرين مع الأمم المتحدة على طرح فكرة تقسيم فلسطين لدولتين ليضمنوا توافقا دوليا على ذلك ويفوز قرار التقسيم وتقوم دولة إسرائيل، وكان هذا خدعة وكذبة ولم يكونوا صادقين ولا نية لديهم بالسماح لقيام دولة فلسطينية، حيث كانوا قد تأمروا على ضمان عدم إقامة دولة فلسطينية وكما هو وارد بالمقال).

ويتجاوب عشرات القراء مع البطاينة لتأكيد اتفاقهم مع طرحه الشجاع والمنطقي فنقرأ لقائل: مروجو حل الدولتين يدعمون الكيان؟؟؟ فلسطين موحدة، وكل يهودي جاء بعد 1921 فليعُدْ من حيث أتى هو وذريته.

وكنت قلتُ في نفس الرسالة للمؤتمر القومي العربي وبوضوح مزعج:

“كان المنطق السليم في 1948 يقضي بإعلان قيام دولة فلسطين على ترابها الوطني، تزامنا مع الإعلان الإسرائيلي، مع التحفظ على قرار الجمعية العامة بالتقسيم، وتعترف الدول العربية المستقلة آنذاك بالدولة الجديدة وتُطلب لها عضوية الأمم المتحدة، أسوة بما قامت به تل أبيب.. لكن ما حدث كان مهزلة حقيقية، فقد قُسّمت فلسطين في واقع الأمر بين ثلاث دول من بينها إسرائيل، التي توسعت خارج حدود قرار التقسيم”.

وما قلته آنذاك يؤكده قارئ ثالث بقوله: “بعد عام 1948 حاول الكيان الإسرائيلي وعرب الردة، إلغاء اسم وكلمة (فلسطين).. سُمّي الجزء الذي تحكمه الاردن بـ(الضفة الغربية) والجزء الذي تحكمه مصر (قطاع غزة).. كانت كلمة (فلسطين) ممنوعة الاستعمال على أي جزء من ارض فلسطين (…) ومجرد القبول بدولة فلسطينية صورية، يعتبر شرخاً للجدار الحديدي لدولة إسرائيل القائم على يهودية الدولة، فكل قادة الكيان يرفضون مجرد الحديث عن دولة فلسطينية، حتى إنهم ينكرون وجود شعب فلسطيني”.

ويستعرض قارئ آخر، ما أعترف أن بعضه كان غائبا عني، فيقول عن قرار التقسيم: “… لم تصوت بريطانيا على هذا القرار، أي امتنعت عن التصويت لأنها لا تريد إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين بناء على وعد بلفور الذي أصدرته، وليس كما أفهمونا في كتب التاريخ أنها ترفض إقامة دولة يهودية وتشريد الشعب الفلسطيني، وان بريطانيا تتمتع بحسن النية..”.

ثم يقول: “ضم الضفة الغربية أو ما سمي بهذا الاسم كما قال الأستاذ فؤاد كان استكمالا للمشروع الصهيوني بواسطة اتفاق بين الملك عبد الله وبريطانيا ولم يوافق على هذا الضم إلا دولتين، بريطانيا وباكستان، كما انه كان هنالك صراع سعودي هاشمي على ضم ما تبقى من فلسطين، وعندما تأسست حكومة عموم فلسطين في غزة رفضت من قبل العرب” (وكانوا يسمونها تهكما… حكومة عموم غزة، التي كان يحكمها فعليا ضابط عسكري مصري اسمه محمود رياض على ما أتذكر).

وأعود إلى قضية الرسالة، التي مرت كسحابة صيف، لأستنتج أن المشكل الحقيقي هو أن كل ما نقوله، العبد الضعيف والبطاينة وخالد شحام وطارق ليسلاوي وآسيا العتروس وميساء المصري وبسام أبو شريف وكمال خلف وحتى عبد الباري عطوان وعشرات بل مئات آخرون هو مواقف فردية وتعبيرات من أفراد لا يملك أي منهم سلطة فرض اتخاذ القرار الضروري.

ومن هنا كنت آمل، يوم كتبت رسالتي المفتوحة، أن يتخذ المؤتمر القومي العربي موقفا يمثل إرادة جلّ المثقفين العرب، ليتحول الموقف الفرديّ إلى موقف جماعي يمكن أن يؤثر على مواقف مؤسسات دولية، منها من يمكن أن يُصبح أكثر عروبة منا.

لكن يبدو أن قدوة مؤسساتنا العربية أصبحت جامعة “أبو الغيط”.

من هنا أقول اليوم إن على المؤسسات العربية التي لا تقوم بواجبها تجاه أهداف الوطن العربي أن تطبق المثل الجزائري القائل: قوم وإلاّ طلق (وتقال للزوج الذي لا يقوم بالتزامات منزله… أي بكل واجبات بيته وزوجه!).

وفيما يتعلق بنا آمل أن تتخذ بلادي خطوة حازمة لتجميد علاقتنا مع التكية التي تسمى جامعة الدول العربية.. قبل أن يصبح الكيان الصهيوني عضوا رسميا فيها، بعد أن أصبحت إرادته جزءا فاعلا في مسيرتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نورالدين الجزائري

    لست ادري كلما تتبعت كتابات الدكتور الا وتذكرت مسرحية شاهد مشفش حاجة لام الكلام كله اعتقد و قد و ربما الحقيقة ان الذي يدعي انه يملك مخزون من المعلومات ان يطرحها للقراء صافية و مؤكدة لا ان تصلهم بشروك مع الاحترام والتقدير للدكتور