أين تعيش أنت؟ أنت في الجزائر..
عند تحليل المشكلة بموضوعية وطرح الحلول بعقلانية ووفق المنطق السليم غالبا ما يجيبك الناس: أين تعيش أنت؟ نحن في الجزائر؟ عندما يتقدم طرف بحلول موضوعية جديدة لمحاربة الفساد أو الرشوة أو تحسين التعليم أو تطوير الأداء الاقتصادي أو تنظيم الإدارة بشكل أفضل، غالبا ما يقابل بتلك الإجابة النمطية التي نعرفها جميعا: لمن تقرأ زبورك يا داوود؟ نعم أنت في الجزائر؟
بما يعني أن هناك اتفاقا غير مرئي بين الجزائريين اليوم أنك إذا عشت في هذا البلد ينبغي أن تضع عقلك وفكرك ومنطقك وموضوعيتك جانبا وأن تؤمن باللامعقaول واللاعقلاني وغير المنطقي وغير المحسوب…
هذه الحالة المنشئة للإحباط واليأس ينبغي أن تزول..بل ينبغي أن تحارب لكي تزول.
حقيقة، هي حالة غير نابعة من الفراغ، بل من حقائق الواقع، نابعة من سياسة دولة ريعية تقوم على أساس أن الثروة يمكنها أن تَنتج من غير عمل، والشهادة يمكن أن تُكتسب من غير دراسة، ونابعة أكثر من تلك الحقائق التي يراها الناس تمشي أمامهم في الواقع كل يوم: سياسيون يحكمون ولا علاقة لهم بالسياسة، ومسؤولون في أعلى مراتب الدولة لا علاقة لهم بالمسؤولية، وأغنياء لم يبذلوا أي جهد من أجل الحصول على الثروة، و”سادة” يتقدمون الصفوف الأولى من غير أية مقومات تسمح لهم بذلك… هي وقائع تجعل بحق الهرم مقلوبا ببلادنا، تم تحويلها، للأسف، إلى حقائق، ثم إلى قوانين ثم إلى مسلمات ينطلق من خلالها الناس بلا تفكير ويثبطون بها كل عازم على التفكير..
ينبغي أن تحارب مثل هذه الحالات في كافة المستويات لكي نعيد الأمور إلى نصابها.
ينبغي أن لا نساهم في الترويج لموت العقل، وموت الفكر وموت المنطق وموت الموضوعية وموت الحجة والدليل في بلادنا… بل أن نقوم بالعكس تماما..
أن نبرز تلك النماذج الكثيرة المغمورة في بلادنا، ممن نجحوا بكفاءاتهم وجهدهم وعملهم وإخلاصهم، وإن لم يعترف بهم الناس.
أن نبرز تلك النماذج التي عملت ومازالت تعمل في صمت لأجل تكوين هذا القطاع أو ذاك، إحداث نقلة نوعية في الفلاحة أو التعليم أو الصناعة من غير أن يلتفت لها أحد.
أن لا نزيد مصيبة هؤلاء مصيبة بأن نخيّرهم بين أمرين: عقلهم وموضوعيتهم أو العيش خارج الجزائر…
أن نستبدل سؤالنا وجوابنا لهم: أين تعيش أنت؟ أنت في الجزائر.. بسؤال وجواب الآخرين ممن أوصلونا وأصلوهم إلى هذه الحال: هل هي بلادكم أيها الأغبياء؟ دعوا الجزائر لأبناء الجزائر.