أيّها المتطاولون.. والله إنّنا لقادمون
ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. قبل عشر سنوات، أقدمت مستوطنة يهودية على تصوير نبيّ الهدى عليه السّلام في صورة لا تليق بمقام خير البرية، ووزّعت الصّورة في مدينة الخليل، في تحدّ سافر لمشاعر الأمّة الإسلاميّة، استُنفرت وسائل الإعلام المكتوبة منها والمرئيّة، للحديث عن تلك الرزية. مقالات وتنديدات ومسيرات ألفيّة. قيل أنّ المستوطنة لا تتمتّع بكامل قواها العقلية، وأغلق ملفّ القضية، على هذا التّبرير الذي يحمل في طياته استخفافا بالعقول السوية.
ثمّ كان ما كان من ذلك اليهوديّ المغمور، الذي أبى إلا أن يكون من أهل الويل والثّبور، فكتب اسم النبيّ المنصور على رأس خنزير منحور، وألقاه في مسجد بمدينة يافا تعبيرا عمّا يكنّه بنو جلدته من حقد مضمور. تنديدات ومسيرات ومقالات في سطور، وما هي إلا أيام حتى أغلق ملفّ القضية وهدأت مكامن الصّدور.
ثمّ كانت حملة رابطة أهل الصّلبان المسمّاة برابطة الرّهبان والمدعومة من الفاتيكان، في مشروع أسمته “مليون ضدّ محمّد” استنفرت له مليون منصّر متسلّح بالكذب والبهتان، لوقف انتشار الإسلام في بلاد العمّ سام. تنادى بعض الغيورين من هنا وهناك لحملة مليار لنصرة نبيّ آخر الزّمان، وما هي إلا أيام حتى فترت همم أهل الإيمان، وطوي الحدث في ملفّ النّسيان.
ثمّ توالت إساءات الشّانئين المتسلّقين، بدءًا بالدّانمارك ومرورا بالنّرويج وليس انتهاءً بالأمريكان والفرنسيين والألمان، في حملة تداعت لها صحفٌ تنشد الأوسمة والنّياشين، على حساب عرض أشرف خلق الله أجمعين، لنصرة بعضها بعضا ضدّ احتجاجات المسلمين على نشر رسوم ساقطة في حقّ النبيّ الأمين. بحّت حناجر المحتجّين، ولامست أصواتهم أسماع الحكّام والمسئولين، ترجو موقفا يردع المغرضين، يعيد لهم أمجاد معتصمٍ جيّشَ الجيوش لأجل حجاب امرأة من المسلمين، ولكنّهم فوجئوا بأنّ القوم رفعوا شعار “لا طاقة لنا بمقاطعة الأوروبيين”.
ثمّ توالت الإساءات، حتى فجعنا في الأيام الأخيرة بإقدام حثالة من السّفلة وشرار الخلق من أهل التّفاهات، من أقباط مصر القاطنين بأمريكا دولة اللّوبيات، على عَرض فلم ساقط يسخر من نبيّ الرّحمات، ويصفه بأوصاف لا يمكن أن يتحمّلها قلب عبد مؤمن يغار للمقدّسات. لقد صوّروا نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام في مقاطع تقشعرّ لها الأبدان وتغلي لها دماء العروق، وتسيل لها دموع العيون وتجفّ لها الحلوق، في صفاقة نادرة وجرأة سادرة، ما كنّا نتوقّع أنّ بشرا يصلون إليها وهم يعلمون أنّ أقدام أكثر من مليار ونصف المليار مسلم تدبّ على هذه الأرض، وأنّ النّفط الذي يتدفّق على البلاد التي يقطنونها جلّه من بلاد المسلمين، ولكن يبدو أنّه كما قال القائل: “من أمن العقوبة أساء الأدب”.
وهكذا سيظلّ الأقزامُ يتطاولون على النبي الإمام، وسيظلّ السّفهاء ينالون من خير الأنام، ما دامت الذئاب قد كلّفت برعي الأغنام. ولن يملّ اللّئام من التذرّع بحرية التّعبير وحرية الإعلام، كلّما راقت لهم الإساءة إلى مقدّسات المسلمين وإلى ثوابت الإسلام؛ حرية تعبير هم أوّل من يكفر بها من الأنام، إذا تعلّق الأمر بأكاذيبهم التي لا يقبلون أن تخوض فيها الأقلام، أو بقادتهم الذين يستحلّون للانتقام من الإساءة إليهم كلّ فنون الإرهاب والإجرام.
أ هذه هي حرية التعبير التي تتشدّقون بها؟
قبل 19 سنة أقدمت الرسّامة العراقية ليلى العطّار على رسم لوحة كاريكاتورية للرّئيس الأمريكيّ، جورج بوش الأب، على أرضية مدخل فندق الرشيد ببغداد، الذي كانت تعقد فيه المؤتمرات الصحفية، وتسكن فيه كبار الشّخصيات العراقية والعالمية أيام الرّئيس الرّاحل، صدّام حسين. رسمتها على الأرض لتدوسها الأقدام نكاية بأمريكا ورئيسها، فماذا كان الردّ؟ هل قالت أمريكا: هذه حرية تعبير؟ كلا، لقد استنفرت أجهزتها الاستخباراتية لجمع كلّ المعلومات المتعلّقة بالرسّامة العراقية، وأقدمت في ليلة ظلماء من سنة 1993م على إرسال طائرة حربية قامت باستهداف منزل الرسّامة في منطقة المنصور ببغداد بصاروخ أودى بحياتها وحياة ذويها.
أهذه هي حرية التّعبير التي تتشدّق بها أمريكا؟ تبيح لنفسها أن تقتل أسرة بأكملها ردا على إهانة صورة رئيسها التي وضعت لتطأها الأقدام، وتصف في المقابل من يقوم غيرة لمقدّسات دينه بالإرهاب!