-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إذا‮ ‬سرق‮ ‬فيهم‮ ‬الشريفُ‮ ‬تركوه

حسين لقرع
  • 3833
  • 1
إذا‮ ‬سرق‮ ‬فيهم‮ ‬الشريفُ‮ ‬تركوه

تدلّ الطريقة التي يُعالج بها ملف شكيب خليل، أحد المتهمين بالتورط في فضيحة “سوناطراك 2” أن سيناريو الخليفة قد يتكرر مجدداً؛ فالوزير السابق للطاقة تُرك وشأنه حينما كان موجودا بوهران، ولما غادر البلد إلى الخارج طُلب عن طريق الأنتربول، مع الوقوع في خطإ إجرائي‮ ‬يمهّد‮ ‬لرفض‮ ‬الطلب‮.‬

 هذه الطريقة في معالجة ملفات الفساد في الجزائر تغذي الأحكام السائدة لدى الجزائريين، بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحدّ، ما أفقد حملات مكافحة الفساد من أي معنى وجعلها تبدو للرأي العام باهتة وموجهة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر‮.‬

في التسعينيات، حاول زروال إطلاق حملة “الأيادي البيضاء” لمكافحة الفساد، وزجّ بنحو ألفين من الإطارات ومسيري المؤسسات في السجون، ثم تبيّن أنهم مجرد كباش فداء وأن الحملة قد اقتصرت على هذا الحد ولم تتجاوزه لتصل إلى مستوياتٍ أعلى.

 المشكلة أن الإرادة السياسية غائبة في مكافحة الفساد بالجدية الكافية برغم كل الفضائح التي فجّرتها الصحافة الوطنية على مدار سنوات عديدة، وشملت قضايا السرقات ونهب المال العام وتبديده وتحويله، وتقاضي عمولات متأتية من إبرام صفقات مشبوهة مخالِفة للقانون، وكذا قضايا‮ ‬الرشوة‮ ‬والتزوير‮ ‬والاحتيال‮ ‬وتضخيم‮ ‬الفواتير‮ ‬واستعمال‮ ‬النفوذ‮ ‬للحصول‮ ‬على‮ ‬مكاسب‮ ‬وامتيازات‮ ‬غير‮ ‬مستحقة‮.. ‬وغيرها‮ ‬من‮ ‬أنواع‮ ‬الفساد‮ ‬المعروفة‮.‬

 ولعلّ أكثر أوجه الفساد انتشارا هو الرشوة، حتى تكاد تصبح قاعدة والنزاهة استثناءً، وفسُدت أخلاقُ العامة وساهموا بدورهم في نشر الفساد، إذ أصبحوا لا يتورعون عن تقديم الرشاوى للفاسدين بذريعة أنها السبيل الوحيدة لقضاء حوائجهم، ما يشجِّع المرتشين الفاسدين على التمادي‮ ‬في‮ ‬غيِّهم‮.‬

وحينما تطّلع على التقارير السنوية لمنظمة “شفافية دولية” فستجد دوماً أن البلدان العربية والإسلامية تحتلّ مراتب “متقدِّمة” ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، في حين تحتل الدول الغربية مقدِّمة قائمة الدول الأكثر نزاهة، وهي مفارقة كبيرة لدى أمة يحرِّم دينُها‮ ‬قطعاً‮ ‬الرشوة‮ ‬والسرقة‮ ‬والفساد‮ ‬بشتى‮ ‬أشكاله‮.‬

هذا يعني أن القيم الإسلامية لم يعد لها معنى لدى شعوبنا وأن الوعظ والإرشاد القائم على تحريم هذه الآفات لم يعد مؤثرا سوى في القلة القليلة من الناس، ولكنه يعني أيضا- وهذا هو مربط الفرس- أن الفسادَ هو صِنوُ الاستبداد وغياب الرقابة الشعبية على الأموال العمومية‮ ‬عبر‮ ‬مؤسسات‮ ‬منتخبة‮ ‬قوية،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬أن‮ ‬النزاهة‮ ‬هي‮ ‬توأمُ‮ ‬الديمقراطية‮.‬

الديمقراطية الحقيقية تعني توفّر آليات رقابة شعبية فعالة من قضاءٍ مستقل وصحافة حرة ومؤسسات منتخبة قوية ويقِظة تمارس دورها الرقابي دون خوف من التبعات، وهذا هو سرّ مثول رؤساء دول وحكومات ووزراء ومسؤولين سامين في مختلف البلدان الغربية أمام العدالة بتهم الفساد ومحاكمتهم كأيِّ مواطن وسجنهم إذا ثبتت إدانتُهم، بينما يُتَّهم لدينا وزيران سابقان فقط طيلة 51 سنة من الاستقلال، أحدهما في قضية “الخليفة” والثاني في قضية “سونطراك 2” ثم يهربان إلى الخارج في ظروف غامضة ولا يمثلان أمام “العدالة” الجزائرية، وشتان بين من يقيم الحدّ على الوضيع والشريف معاً ويبرهن أن القانون فوق الجميع فعلاً في بلده، وبين من يقيم الحدّ على الوضيع فقط ويترك الشريف، ويخالف قول نبيِّه حول ضرورة قطع يد فاطمة بنت محمد إذا سرقت، مع الاعتذار الشديد لابنة خير خلق الله على هذا التشبيه بأرذل الخلق من الفاسدين‮ ‬والمرتشين‮ ‬والسارقين‮ ‬وعصابات‮ ‬الاحتيال‮ ‬والنهب‮..‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • echlfia

    والله إنك قلت مايجول في خاطري , بارك الله فيك , إلى أين نسير نحن بهذا النحو !!!!!!!!!!