إذا دخلوا قرية.. أفسدوها؟
هذا ما كان ينقص الملك محمد السادس، لأجل أن يعود للحدث من بابه الضيّق، وهو أن يرمي “جنونه” في الشارع المغربي فيتلقّفه مقبّلو الأيادي ويحوّلوه إلى ثورة ضد شعب شقيق، هم يعلمون أنه الأقرب إلى المغاربة باعتراف الشعبين، بدليل أن مغربيا لطّخ العلم الجزائري، فجاء الردّ برفع نفس العلم في الجهة المقابلة، من دون المساس بالعلم المغربي الذي يحترمه كل الجزائريين، ولا بالشعب المغربي.
نعلم جميعا أن قضية الصحراء الغربية، يمكن معالجتها سياسيا وديبلوماسيا دون أن تصل شراراتها إلى الشعب المهتم بلقمة العيش، ولكن الملك محمد السادس، في الذكرى الثامنة والثلاثين لما أسماه والده بالمسيرة الخضراء، التي انطلقت بلون أحمر، ولم تصل ولن تصل، حاول أن يمنح القضية بُعدا “شعبيا” لم يفعله والده المرحوم، وموازاة مع خطابه الاستفزازي الذي كان أشبه بقرع طبول الحرب، أبان في الجهة المقابلة عن اعتزازه بالغرب، حيث سيطير إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثا عن دعم أمريكي، كما تقرب من الاتحاد الأوروبي من أجل اتفاقيات صيد بحري يريد من خلالها إقحام سواحل الصحراء الغربية، في اتفاقيات تجارية بحثا عن مكاسب سياسية مع الأروبيين، ولا نفهم لماذا يريد “صاحب حق” ــ كما يزعم ــ إقناع الآخرين بما يصفه هو بحقه.
يقال في السياسة دائما، أن الذي تحترق داره يحاول نقل اللهب إلى البيوت المجاورة، حتى يشغل أهل الدار عن فشله، وقد يكون الملك الشاب قد سار على هذا النهج، خاصة أن لهيب الربيع العربي بدأ يدق أبواب المغرب، لكن هذه السياسة صارت في السنوات الأخيرة تنقلب على أصحابها فيجدون أنفسهم محاصرين بثورة الداخل وثورة الخارج، لأن ما قام به الجزائريون في وهران وبشار والبليدة، أبان أن محاولات الملك جرّ الشعب الجزائري، لإعلان عدائه للمغاربة باءت بالفشل، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي بين المغاربة والجزائريين إلى رسائل أخوة، بيّنت أن الملك محمد السادس، لا يمكنه زعزعة العلاقة بين الشعبين، وقد يضعه خطابه في زاوية انفرادية معزولا عن شعبه الذي بدأ في زمنه يثور على مراسيم تقبيل اليد في احتفالات يوم العرش.
ما لا يعلمه الملك محمد السادس، أن الجزائر هي البلد العربي والإسلامي الوحيد في العصر الحديث، الذي لم يعرف حكم المملكة أو الإمارة أو السلطنة أو الإمبراطورية، لأجل ذلك يترسّخ فيه حكم الشعب حتى في حكم الديكتاتورية، وبالرغم من المساوئ الكثيرة التي تغرق فيها السلطة والقاعدة معا، إلا أن التسليم بكل ما يقوله الحاكم الجزائري غير وارد، فما بالك بما يقوله حكّام بلدان أخرى في رتبة ملوك، وما لا يعلمه أيضا أن الجزائريين يدعون بالعزة للمغاربة كما يدعون لأنفسهم، ولكن ماذا عساهم يفعلون والقرآن أقر منذ أربعة عشرة قرنا في سورة النمل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون}.