إذا رخُصت العُملات “الصعبة” رفعناها بالتهافت؟
تقول الحكمة الإسلامية التي تدعو إلى الشرف والكرامة وعدم التبذير وتُحذر من التهافت: “إذا غلى الشيء أرخصته بالترك”، وهي معادلة اقتصادية تُرخّص أي سلعة إذا تركها الإنسان مهما كان شأنها، ولكن الجزائريين يصرّون سلطة وشعبا، على أن يرفعوا من قيمة بعض الأشياء وهي رخيصة في مواطنها الأصلية، بتهافتهم عليها، وللأسف فإنهم بذلك لا يرخصّونها بالترك طبقا لنصيحة أسلافهم، وإنما يرخّصون أشياءهم، وأنفسهم عبرها.
وما يحدث هذه الأيام في مختلف البنوك الجزائرية، من تدافع وتهافت لأجل صرف مبلغ المنحة السياحية المجهري، هو دليل على أن البلاد لا تمتلك أي منظومة سياحية أو اقتصادية أو مالية، فهي تمنح للسائح الجزائري مبلغ 130 أورو قد لا تكفي لوجبة عشاء واحدة لفرد واحد في بلاد أوروبية، وتعلم أنه يدسّ في جيبه أو محفظته مبلغا أهمّ، اقتناه من أسواق العملة الصعبة المنتشرة في كل المدن الجزائرية وأمام أعين السلطات، ومع ذلك تعجز البنوك الجزائرية عن كسب ودّ زبائن، قال المسؤول الأول عن البنوك، إنه سيسعى إلى كسبهم بقوانين جديدة وربط جسور عمل مع أصحاب الأموال، في الوقت الذي يشيب رأس الجزائري في الحصول على مبلغ لا يزيد عن ثمن وجبة عشاء في باريس بالعملة الصعبة، التي يبدو أنها حافظت على لقبها “الصعب” بسبب ما تواجهه في الجزائر من “تقديس بيروقراطي” حوّل حتى عملات الجيران إلى صعبة، بعد أن ارتفعت إلى سبعة أضعاف وما فوق، مقارنة بعملتنا الوطنية التي هي جزء من هوية الجزائري.
عندما هاجمت مصالح الأمن سوق “السيكوار” في العاصمة، وحجزت في رمشة عين، ما قيمته مليار سنتيم من العملة الصعبة، قال القائمون على الاقتصاد الوطني إن البلاد مُجبرة على تعميم هذه المعركة المضرّة بالاقتصاد الجزائري وبعث بنوك خاصة تنقذ البنوك العمومية، ومرت الأشهر ولا شيء تغير وبقي “السيكوار” هو المتحكم في سوق العملة، حتى لا نقول في الاقتصاد الوطني، وعندما أوقفت سلطات ولاية قسنطينة مشروع تجهيز حظيرة باردو السياحية والإيكولوجية قال والي الولاية إن مشكلة تحويلات العملة نسفت المشروع، فأوقفت المؤسسة الكورية الجنوبية أشغالها بعد أن أذهلتها بيروقراطية العمل وتعقيداته بنكيا، وعندما غامر رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم السيد محمد روراوة وأذهل العالم بتوقيف انتداب اللاعبين الأجانب للعب في الدوري الجزائري، أشار أيضا إلى مشكلة تحويل العملة الصعبة والتعامل بها في مختلف الأندية الجزائرية، وبعد كل هذا يتحدثون عن طريقة وحيدة لإنقاذ البلاد من الانهيار، جرّاء انهيار سوق النفط، وهي بعث الاستثمارات الأجنبية الضخمة التي تتعدى قيمتها ملايير الدولارات، وتحسين ظروف عمل هؤلاء إداريا وبنكيا، ولكم أن تتصوروا مواطنا عجز عن تحويل 130 أورو، في بلد لا سبيل له للخلاص سوى التعامل بملايير الدولارات لتعويض الغيث البترولي الذي كان يتهاطل علينا ليل نهار؟