الرأي

إذا غاب الماء حضر التيمم!

عمار يزلي
  • 5035
  • 0

في ظل الوضع العربي المتردي ودخول السعودية في حرب وتوترات مع الجيران، تبدو الأنظمة العربية وكأنها توّدع خريفها الأخير، فتداعيات انهيارهذه الأسر الحاكمة قد بدأت منذ عشرية وستنتهي حتما بعد نحو عشرين سنة أو حتى أقل.. النفط والمشاكل الداخلية ودخول هذه الأنظمة في تسابق دقّ طبول “داحس” ضد داعش، ثم “الغبراء” ضد إيران، وحرب الجمل في لبنان، والبسوس في سيناء والسويس، يؤكد أنه لا مجال لوأد الفتنة بعد اليوم، فمصر قد انتهت كدولة محورية، والنظام الخليجي إلى انحدار، ووحدها إيران ستخرج قويّة، كونها “دولة”: اقتصادا وسياسة وعسكرا وعلما وإن اختلفنا معها إيديولوجيا وعقائديا، تركيا وحدها ستبقى بين مفترق الطرق بين مطرقة الشرق وسندان الغرب، ولا مجال لكي تغامر في الدخول في تحالفاتٍ منتهية الصلاحيات مع قبائل النفط.

 الحمد لله أن الجزائر فهمت اللعبة وعرفت كيف تنأى بنفسها عن هذيان طبول الحرب والتحالفات العسكرية ضد الإخوة “الأعداء”.. غير أن الجزائر، ستبقى مع ذلك داخل المربع “الأخضر الخطير”، بفعل كل ما يحاك لها خارجيا وداخليا، جرّاء سياسة التراجع عن المكتسبات الشعبية وتحميل الشعب نتائج الفشل السياسي والاقتصادي وما رافقه من تبذير وفساد ونهب، هذا الوضع الذي ولّدته نتائج الانقلاب على إرادة الشعب، خاصة ونحن في ذكرى 11 يناير، ذكرى استقالة الرئيس بن جديد، وما جدّ بعده من جديد ووعيد، أعادنا إلى المربع الأول، رغبة حفنة من “الوثنيين” المتغنِّين بالوطن، فيما المواطن “الأنديجين” هو آخر اهتماماتهم.. نكلوا به، وأرغموه على أن يركع ويقبل بالأمر الواقع، كما فعلت مصر السيسي وحكمه الذي أرسى دعائم الفساد والعسكرة والتنكيل برموز وشعب مرسي!

في خضم هذه التحوّلات، لم أجد، أنا المواطن الغلبان، سوى القفة أبكي عليها: “قفة نبكي من ذكرى حليب وفلفل/ بطاجين لوبيا بين الثوم والمبصّل” وأبكي حتى على الماء الذي صارت قنينته أغلى من البنزين بعد الغلاء.. خشيت من العطش بسبب الجفاف وتخوفت من تصريح “نوري” بشأن السدود التي قد لا تسد حاجتنا من الماء في خضم مشكل الماء والجفاف، وشحّ المطر، وجدت نفسي أنام لأجد نفسي أقف على أحجار التيمم حتى تلك المستوردة في عز التقشف! الناس يقبلون عليها بفتاوى رسمية: إذا بطل الماء، حضر التيمم! وصارت تجارة الأحجار في ازدهار! جماعة حدّاد والباطرونا، استولوا على مشاريع “استوراد” وإنتاج أحجار التيمم: من “التيمم البورطابل” الذي يمكن أن تحمله كالهاتف معك ومعه حتى “البوشيت نتاعه”! إلى التيمم “نيميريرك” (يقول لك: آآآمحمد.. تيمم راه العصر فات!) إلى تيممات بوزن 50 كلغ، استوردت حسب المشعوذين من “عرفات” و”أحد” و”حراء”، وهي تصلح لكل الأشياء.. تضعها على صدرك وتنام في الشمس، وتقول “أحد.. أحد” فيغفر الله لك ولأسرتك وبنات عمك! تجلس عليها، وكأنها اغتسلت في الحوض الشريف! وخرافات كثيرة روّجها “أرباب العمل الوثنيين”.

كل بيت صار فيه “شرجما” من الأحجار.. حتى الصحون تُغسل بالتيمم! الشرب بالتيمم! مات الآلاف بفعل العطش والتيمم الذي لم ينفع! والناس، كأنهم “مقفلين” عوض أن “يردوا” العيب في الحكومة، ردوا العيب في “mode d’emploie ” وقالوا: بالاك، مراناش نعرفوا نتيمموا! فاجتهدوا في فن شراء تيّممات أغلى!

أنا اشتريت تيمما واحدا: قذفت بها شاشة التلفاز التي كانت تقدم إشهاراً لتيمم مستورد من الصين!

وأفيق وقد ضربتُ فعلا زوجتي بتيمم عند رأسها، شققت لها وجهها شقا!  

مقالات ذات صلة