الرأي

إرهاب الإسمنت المسلح!

الشروق

لماذا لا يشمل التحقيق الذي أمر وزيرُ السكن عبد الحميد تمار بفتحه على خلفية مقتل ثلاثة أشخاص في انهيار بناية بالعاصمة، كلَّ المشاريع السكنية التي أنجزت خلال العقود الأخيرة؟ ولماذا لا يتحرك المسؤولون إلا بعد حدوث الكوارث؟ وهل يدرك وزراءُ السكن والأشغال العمومية المتعاقبون أنهم سمحوا بظهور إرهابٍ جديد يهدد حياة الجزائريين هو إرهاب الإسمنت المسلح؟

يقول الخبراء إن الكثير من المشاريع السكنية المنجَزة خلال 15 سنة الماضية بما فيها المشاريع الكبرى، أنجزت على أطراف الوديان، أو على الأراضي الفلاحية، وإن أيَّ زلزال أو فيضان أو تهاطل لأمطار غزيرة قادرٌ على إحداث كوارث كبيرة. وما زاد في خطورة الوضع حسب هؤلاء أن شركات الإنجاز قامت بدراسات سطحية وعشوائية قبل انطلاق ورشات البناء، بهدف الربح السريع من دون مراعاة الأخطار التي يمكن أن تمثلها هذه البنايات على حياة ساكنيها. وتطالعنا الصحافة الوطنية يوميا عن حالات الغش المسجلة في المشاريع السكنية التي أنجزت مؤخرا كاشفة استهتارا غير مسبوق، ومع ذلك لم تتحرك الجهات المعنية بوقف هذه التجاوزات ولم يتحرك وزير السكن إلا بعد أن وقعت الكارثة وسقط ضحايا. وخلال زلزال ماي 2003 رأينا كيف هوت العمارات وتحولت إلى ركام وقضى فيها الآلاف بسبب طبيعة البناء التي لم تحترم المعايير المحددة، وهي جريمة لم يعاقَب عليها المتورِّطون وخلص الجميع إلى أن ما حدث كان “قضاءً وقدرا”، ولم يكن بفعل الإنسان!

والكارثة الأكبر التي تواطأنا عليها جميعا هي إقامة المشاريع السكنية على الأراضي الفلاحية في منطقة متيجة التي تعدُّ من أخصب الأراضي عالميا، إذ جُرفت مئاتُ الهكتارات من المربعات الفلاحية التي تزود الجزائر بالخضر والفواكه وحل محلها الإسمنت المسلح، ويتفاخر المسؤولون بإقامة مدينتين جديدتين بسهل متيجة هما سيدي عبد الله وبوينان، بينما يدخلون في صمت القبور عندما يتعلق الأمر بالمدينة الجديدة بوغزول التي لم تُنجز فيها بناية واحدة، مع أنها تقع في أرض منبسطة وواسعة وغير مستغلة فلاحيا!

إرهابٌ خطير يقتل الجزائريين بطريقتين: الأولى عن طريق الغش في الدراسات والإنجاز، والثانية عن طريق استهداف الأمن الغذائي للجزائريين، من خلال إعدام الأراضي الفلاحية، وتحويلها إلى مجمعات سكنية؛ بينما الأراضي البور والجبلية لا تبعد إلا ببعض الكيلومترات عن السهول الخصبة.

مقالات ذات صلة