إرهاب في بلاط “موناليزا”
”هذه المرة إنها الحرب”.. “الحرب في قلب باريس”.. كانت هذه بعض عناوين الصحف الفرنسية الصادرة أمس، حتى يومية “ليكيب” الرياضية التي كانت تتأهب لتزف للفرنسيين، فوز منتخب بلادهم على بطل العالم ألمانيا، حذفت كل العناوين وكتبت بالبنط العريض “الرعب”، هذا جزء إعلامي من النار التي اكتوت بها باريس واكتوى معها الملايين من البشر، الذين تضامنوا مع فرنسا، ولكنهم بالتأكيد لا يحسّون بما حدث، كما أحسّ الملايين من العرب والمسلمين بنار الإرهاب الذي وُلد بطريقة غير شرعية، ذات زمن في غفلة عن عالم كان همّه تشويه الآخر، فكبٌر في أحضان الكثير من البلدان بين صامت ولا مبالي إلى أن ضرب في يومين جنوب بيروت وباريس، فما كان للضربة الأولى أي صدى لولا الضربة الثانية التي هزت باريس، في حضرة ملعب باريس الذي شهد منذ سبع عشرة سنة، فوز الفرنسيين بكأس العالم لكرة القدم، وفي حضرة برج إيفيل الذي يتزيّن لحفلات رأس السنة الميلادية بعد بضعة أسابيع، وفي حضرة الموناليزا التي لم يزرها أمس السبت في متحف اللوفر أي زائر، لأول مرة، منذ أن سكنت هذا المتحف في عام 1516 قادمة من روما.
الذين ظنوا أن “تنظيم الدولة” عدوّ لبشار الأسد ولحسن نصر الله، وابتهجوا للضربات التي أوجعت الرجلين في دمشق وبيروت، تجاهلوا بأن الهمجية التي ساهم فيها الغرب قبل العرب، لا هدف لها سوى الحياة، فقد هزّت ضربات باريس الفن الذي كان مسرح “باتاكلان” يُطلقه، وضرب الرياضة التي كانت في قمتها في ملعب باريس “سان دونيه” بين محتضن كأس أمم أوروبا وبطل كأس العالم، وضربت السياسة عندما فضل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، حضور مباراة بين فرنسا وألمانيا في الذكرى السابعة والتسعين لنهاية الحرب العالمية الأولى، فزلزلت الضربات الحياة في باريس التي تعتبر العاصمة الأولى من حيث إقبال السياح عليها من كل القارات في العالم.
لا أحد حاسب الألمان على همجية النازيين، والإيطاليين على همجية الفاشيين، ومع ذلك يصرّ العالم على أن يُطلق على من يقتل الناس ويحرق الزرع اسم “تنظيم الدولة الإسلامية”، في زمن تطير فيه الكلمة إلى كل بقاع العالم، فتلتقط العين صورة الموت وتلتقط الأذن اسم الإسلام، وتمنحها “الشرعية” بكلمتي التنظيم والدولة، ويصبح الإسلام مرادفا للموت، تماما كما يحدث مع كل من يرتكب خطأ في فرنسا عندما تركز الصحافة على لون بشرته و”لكنة” كلامه، وتنبش في جذوره إلى أن تقدّمه للعالم على أنه ”عربي أو في العادة جزائري” آوته وأحسنت إليه، فطعنها في الظهر.
تساوت الآن العديد من عواصم العالم في وجعها من الإرهاب، فقد ضُربت منذ أربعة عشر سنة نيويورك، وضربت من بعدها لندن ومدريد وموسكو، وجاء دور باريس فسالت أودية من الدموع، ولكن لا بدّ أن يتذكر العالم أن بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء …. والجزائر أيضا ضُربت ولا دمعة ذُرفت عليها.