الرأي

إرهاب في الأردن… ماذا يعني؟

صالح عوض
  • 1296
  • 6

لاشيء يمكن عزله عن سياقه زمانا ومكانا وهكذا يكون المدخل الصحيح لفهم ما حصل في السلط قبل عدة ايام، حيث كان العمل المسلح نوعيا في التخطيط والأداء والأهداف وهو بطريقة ما يحمل رسائل عدة لابد من تدبرها.
في مرحلة يتم فيها الترويج لمشاريع إقليمية أمنية سياسية، وفي مرحلة يتم فيها انتقال المجموعات المسلحة إلى طبيعة تحرك مختلفة عن ذي قبل لابد ان نسرع إلى القول ان المجموعات المسلحة لم تعلن بعد هزيمتها ولن تعلنها في وقت منظور لسبب بسيط جدا وهو ان المشغلين الكبار لازالت في جعبتهم أهداف إستراتيجية في المنطقة.
فالأردن وهو يمتد على اكبر حدود مع فلسطين وتربطه علاقة التاريخ والدم والمصير الواحد بفلسطين لا يمكن ان يترك مستقرا مزدهرا فيما يصار إلى ترسيم أوضاع جديدة على خريطة الجسد الفلسطيني.. ومن الواضح ان الترتيبات تتم في كل المنطقة ولا هدف منها جميعا الا التمكين للكيان الصهيوني وتوفير كل شروط السلامة له للقيام بوظيفته في اكثر الظروف ملاءمة على اعتبار انه اليد الطولى للمستعمرين في بلادنا وعلى اعتبار انه القاعدة الإستراتيجية لهم في بلداننا.. وهنا ليس مجديا الإشارة الى طبيعة الهجمة التي تستهدفنا وأهدافها فهي معلومة من التاريخ والواقع بالضرورة.
الأردن بتجانسه وسيره في معترك التعارك الجيوسياسي يظهر لياقة عالية في مواجهة تحديات عاصفة.. ولقد استطاع الأردن مواجهة زلزال العراق الرهيب الذي كادت نتائجه على كل المستويات تهزه من الأعماق فليس فقط موقف الأشقاء العرب الذين كادوا يتورطون في عداوة لا مبرر لها وإنما أيضا الفرصة التاريخية التي لوحت بها قيادات الكيان الصهيوني أكثر من مرة بأنه من الضروري نقل الحدود إلى جوار العراق وانه لابد من جعل الجغرافيا مساعدا وليس حائلا دون..
تأتي العملية الإرهابية في السلط لتقول بوضوح ان المجموعات المسلحة غيرت في تكتيكها وأدائها وخطتها، ولتقول أيضا ان الأردن في عين الاستهداف بالنسبة للمشغلين الذين لا يستقر حالهم دونما اجراء تعديلات وتفسيخات مطلوبة لإنشاء مناخ الضمان الأمني والاستراتيجي للكيان الصهيوني..
ثم ان هناك خصوصية يتحلى بها الأردن تلك المتعلقة بطبيعته السكانية، حيث يشكل التداخل السكاني فيه بين فلسطينيين وأردنيين حالة متقدمة في العروبة والمثال على إمكانية تفعيل الأخوة العربية فوق كل اعتبار قطري، الأمر الذي جعل من الأردنيين جميعا فلسطينيو القضية والعقيدة وجعل من الفلسطينيين أردنييو الوفاء والأداء.. وصحيح ان الأردن استقبل كل المهجرين العرب عراقيين وسوريين ولبنانيين، لكنه خص الفلسطينيين بحنو وأدناهم من قلبه وأنزلهم سهله الخصيب وهذا بلا شك قوة حقيقية لمستقبل الأردن والفلسطينيين على حد سواء.. كما انه سيكون عنصر توازن في المنطقة وصمام أمان لبلاد الشام والعراق.
صحيح ان الأردن قليل الموارد والجغرافيا حوله تميل بها السياسة ذات اليمين وذات الشمال وصحيح انه يجد نفسه دوما مطالبا بالموقف والتصرف ازاء قضايا المنطقة التي تنعكس عليه فورا وعليه ان يقدم أثمانا باهظة للخروج من مزالقها.. ولكن عبقرية مكانه تجعله يتمتع بدور كبير قد لا يتسنى لدول عربية وازنة وهو يكون قد أخذ دوره من عدة جوانب اهمها بلا شك تداخله في الموضوع الفلسطيني في عناصره المتعددة بحيث اصبح مصيره مرتبطا ارتباطا وثيقا بمصير فلسطين.
العمل الإرهابي الذي حصل في السلط ومع كل الأرقام المفزعة في نتائجه الدامية ليس هو الأول ونتمنى ان يكون الأخير، لكن لابد من الالتفات إلى أي ظرف جاء فيه مع دراسة التطورات الحاصلة على الصراع مع المجموعات المسلحة ومع التأكيد بقوة على ان المشغلين يكونون قد غيروا التكتيك، لكنهم لن يتخلوا عن هؤلاء المرتزقة القتلة، كما لم يتخلوا سابقا عن القاعدة الا بإنشاء منظمة جديدة لمهمة جديدة وقد يتخلوا عن نمط الموجود لصالح تشكيلات بصيغة مختلفة لوظائف مختلفة في اطار تفتيت المنطقة وتشتيتها.
اجل، ان الأردن في عين الاستهداف الصهيوني والاستعماري، فالمسألة هنا لا تحكمها اتفاقيات ولا معاهدات انما يحكمها الهاجس التاريخي والقلق الوجودي الذي يسكن نخاع عظم الكيان الصهيوني.. وهنا يصبح الانتباه والإجراءات الاحترازية عملا ضروريا ليس فقط على الصعيد الأمني، بل ايضا على الصعيد الثقافي والاجتماعي.

مقالات ذات صلة