-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إزار الباب.. رمز الحرمة الذي مزقته أبواب الحديد

فاروق كداش
  • 1016
  • 0
إزار الباب.. رمز الحرمة الذي مزقته أبواب الحديد

في وسط الدار المكتظ بالنسوة المتسامرة وبيت الصابون الممتلئ بالسواعد المنهمكة، في السطح المهتز لوقع الخلاخيل الماشية تحلو الحياة في القصبة ودورها من الجزائر بني مزغنة إلى تلمسان الزليج إلى قسنطينة البايات. وفجأة يسمع للباب أطيط، رجل يسعل سعالا متكررا يطلب الإذن بالدخول، فتنفض جموع النسوة قبل أن يرتد للرجل طرفه فيسدلن ستائر العفة والحرمة على مخادعهن ويقرن عينا بلا أبواب موصدة.. ولم العجب فهن يعشن في زمن الرجال.

من فترة، لا يمكن أن نقول عنها قديمة جدا كانت الكثير من البيوت تعتمد الإزار في الأبواب، طبعا لا يتعلق الأمر بالباب الرئيسي الذي كان تحفة فنية من الخشب والإبزيمات النحاسية على قوس من الحجارة. الإزار المعلق بين أبواب الغرف الداخلية كان مثالا لحرمة لا يمكن أن تنتهكها العيون. ولأهميته في البيوت البورجوازية كان إزار الباب فخما للغاية مصنوعا من الحرير المطروز أو من الصوف الرهيف، وكان يستغرق صنعه مدة ليست بالقصيرة.

تختلف تسميته حسب المناطق من تركان وقلى وزار أو إيزار، مهمته فصل الغرف عن بعضها في دار يتقاسمها الكثير، حتى إن مالكي البيوت كانوا يؤجرون منها غرفة أو غرفتين وإزار رقيق كان يؤمن لها كل الحميمية التي تحتاجها.

وقد تركت نسوة الجزائر نموذجا من إيزار الباب متواجدا في المتحف الوطني للفنون والتقاليد الشعبية، تحفة من الطرز الجزائري الأصيل على قماش من الحرير. أما التطريزات والبرودي المتقن باللونين الأزرق والأحمر فلا مثيل لها.

كانت نساء القاع والباع والخلخال مربع يحبذن وضع الستائر لفصل الغرف عن باقي المنزل حتى في البيوت العادية أو الريفية. ستارة تسمح بالحفاظ على الخصوصية، وتسمح بمرور الضوء، خاصة أن هندسة البيوت القديمة لم تكن تسمح بدخول الضوء والتهوية لكل الغرف، خاصة البعيدة عن وسط الدار المفتوح، هذه الخاصية جعلت إزار الباب يسمى بالسترة من الستر في اللغة العربية.

كانت النساء يحظين باحترام كبير، وتعتبر حرمتها أقدس من حرمة البيت، ولأن البيوت كانت تسع العديد من العائلات، كان الرجال يسعلون حين الدخول إلى السقيفة، فتهرول النسوة إلى مخادعهن ويسدلن إزارهن بسرعة البرق.

وكانت السقيفة في البيوت القديمة في القصبة وتلمسان وقسنطينة عبارة عن مساحة تسمح بفصل المدخل عن باقي المنزل، ويمكن للزوار الانتظار هناك، قبل أن يؤذن لهم بدخول المنزل، فيا لها من هندسة تحترم الخصوصية وتضفي الأخلاق على الأخلاق وتزيد من وقار الرجل وحرمة المرأة.

مع اختفاء إزار الباب، اختفت أمور كثيرة من حياتنا، الخصوصية صارت منتهكة من وراء الأبواب الفولاذية، الحميمية انقلبت إلى حياة عامة على سوشيال ميديا، الإزار كان رغم هشاشته يحفظ للناس أسرار بيوتهم، بينما تحولت اليوم إلى فضائح تتناقلها الألسنة الغليظة.. فهل نحتاج رغم حصوننا المشيدة إلى إزار يسترنا وسترة تخفي فضائحنا وستار نتشبث بأطرافه، كي لا نتيه في دنيا الألم والوحوش الضارية التي تهدد أمننا وأماننا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!