-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“إسرائيل” والريح الصرصر العاتية 

“إسرائيل” والريح الصرصر العاتية 

بعد ستة أشهر من الطغيان والتجبُّر و”التفرعُن” والتقتيل وإبادة كل ما ينبض بالحياة في غزة، وبعد مشهد صمت القبور الذي عمّ الأمة قاطبة، صار الناس يترقّبون نهاية هذا المشهد المرعب، عبر الطوفان والريح الصرصر العاتية والصيحة والحاصب والخسف والطاعون، التي ضربت أقوام الزمن الغابر، من أمثال فرعون وعاد وقوم صالح.

العجز الذي أبداه العالم تجاه القوة الطاغية، بلغ مداه، وصار من العبث أن تنتظر صوتا ينطلق من القبور، فقد قتل الكيان الصهيوني من الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والسوريين والإيرانيين، وحتى الغربيين بمن فيهم من بريطانيين الذين يعملون في الإغاثة، ولا أحد تحرَّك أو على الأقل قال كلمة حق، لنتأكد بعد مرور نصف سنة من الطغيان، بأن من في الأرض عاجزون، ولم تبق سوى كلمة السماء.

منذ أول يوم من الحرب الطويلة، رسم الصهاينة وحلفاؤهم مسار الحرب على أنها دينية، حتى أن الحليف الأمريكي أبان بعض قادته عن أصولهم اليهودية، فقصفوا المساجد والكنائس، وصمت العالم، ومع مرور الوقت لبست الحرب الثوب الصهيوني، الذي لا يريد للعالم أن يكون فيه مسلمون أو عرب أو فرس وتركمان، فصرنا نعيش واقعا ينذر بأن الدور سيكون على من قالوا كلمة حق في هذه الحرب، ومن بعدهم على الصامتين وسيلحق بهم الداعمون للكيان الصهيوني، الذي صارت أحلامُه أكبر من أن تكون من البحر إلى البحر.

لم يخفِ اليهود جدِّيتهم المفرطة في الحرب، فربطوها بوجودهم، فأخافوا المحيطين من حولهم وابتزُّوا حلفاءهم، فكان نتنياهو في كل مرة يذكّر الغرب بأنه يحارب لأجلهم، ولم يتردّدوا في تزويده بالسلاح، والدعم السياسي والمالي، حتى كاد اليهود أنفسهم يثورون عليه، وما ثارت بلاد الغرب التي اقتنعت هي نفسها بأن الحرب على غزة، هي حربٌ وجودية بالنسبة لها، وأيّ خسارة للإسرائيليين ستزلزل وجودهم، أو على الأقل قوتهم التي مكّنتهم من التسلط على العالم، وتقسيمه إلى عالم متطور، يُختصر فيهم، وعالم ثالث يتخبط في الأزمات.

لقد شاع في ذروة جائحة كورونا في إيطاليا عندما بلغ عدد الوفيات قرابة الألف وفاة في اليوم الواحد، ما قاله أحد المسؤولين وهو يحصي المواجع: “انتهت حلولُ الأرض والأمر متروكٌ للسماء”، وهو ما ردده أحد أبناء غزة، بعد أن تأكد بأن الصهاينة في حربهم لن ينتهوا، والعرب والمسلمين لن يتحركوا، والأوروبيين والأمريكيين لن يتألموا، فلم يجد غير السماء.

انتهى عصر المعجزات، والنصر يتحقق بالعمل والجهاد، وكل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم سبقتها الخطط والتحضير والاستعداد والتسلح، وحققت شعوبٌ كثيرة ومنها الجزائري، انتصارات أسطورية كان فيها الدُّعاء حلقة ضمن حلقات الاجتهاد، ولم يكن الحلقة الوحيدة، أما انتظار طير الأبابيل أو الكسف الساقط من السماء أو الطاعون، من دون أي بذل وتضحية، فذاك هو رفع لراية الاستسلام البيضاء في هذه الأيام السّود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!