-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إعدام “النّمر”.. الشّجرة التي يراد لها أن تغطّي الغابة

سلطان بركاني
  • 6118
  • 0
إعدام “النّمر”.. الشّجرة التي يراد لها أن تغطّي الغابة

أثارت الإعدامات التي نفّذتها السّلطات السّعودية في حقّ 47 متّهما، صبيحة السّبت الماضي، ردود أفعال متباينة ومتناقضة، وكان لافتا كيف أنّ العالَم أجمع سكت عن إعدام 46 متّهما بينهم، أدينوا بتهمة الإرهاب التي أصبح من السّهل إلصاقها بكلّ معارض للأنظمة الحاكمة، كما سكت مِن قبل عن الإعدام البطيء الذي يتعرّض له مئات الدّعاة والعلماء والنّاشطين الذين يقبعون في السّجون السّعوديّة، بسبب مواقفهم المعارضة لتوجّهات النّظام القائم، بينهم علماء في الثمانينات والتّسعينات من أعمارهم، لم تشفع لهم مكانتهم العلميّة ولا تقدّمهم في السنّ لمغادرة السّجون، في مقابل ليونة واضحة كانت السّلطات السّعودية وعلى مدار عقود متوالية تبديها في تعاملها مع دعاة وخطباء الشّيعة في المنطقة الشّرقيّة، خاصّة منهم “نمر باقر النّمر” الذي أعدم السّبت الماضي مع 46 متهما آخر 43 منهم من أهل السنّة، وأثار إعدامه حملة استنكار واسعة أطلقها النظام الإيرانيّ ونفخ فيها الإعلام الموالي له؛ هذا الرّجل كان معروفا بعلاقته الوطيدة مع إيران التي قضى على أرضها 10 سنوات يدرس في حوزاتها، وكان يصول ويجول في المنطقة الشّرقيّة السّعوديّة، ويلقي خطبه في الحسينيات والمساجد ويجهر بمعتقداته في الصّحابة المرضيين والخلفاء الرّاشدين، ويطعن في مصادر أهل السنّة، ويدعو الشّيعة إلى التمرّد على النّظام الحاكم، حتى بلغ به الأمر في مارس 2009م إلى التّهديد بانفصال القطيف والأحساء وتشكيلها دولة شيعية مع البحرين، وقد جرى اعتقاله يومها بسبب هذه التصريحات، لكنّه سرعان ما أفرج عنه لاحقا، ليعود إلى التّحريض مرّة أخرى مستقويا بالسّند الإيرانيّ الذي يحظى به، وقد كان المحرّك الأوّل لاحتجاجات القطيف عامي 2011 و2013م التي أسفرت عن مقتل العشرات من المحتجّين ومن رجال الشّرطة، وهي الأحداث التي جعلت الأصوات ترتفع متّهمة النّظام السّعوديّ بالازدواجية في التّعامل مع المعارضين، ففي الوقت الذي يضرب فيه أهل السنّة بيد من حديد، يبدي ليونة واضحة في التّعامل مع احتجاجات الشّيعة ومع المحرّضين عليها، وقد بلغ الأمر إلى حدّ اتّهام السّعوديّة بالخوف من ردود الفعل الإيرانيّة، وهي الاتّهامات التي يبدو أنّها أثارت حفيظة السّلطات السّعوديّة ولم تجد مفرا منها إلا بتقديم نمر باقر النّمر إلى مقصلة الإعدام.

السّعوديّة لم تعدم النّمر بسبب مذهبه ولا بسبب طعنه في الصّحابة وفي مذهب أهل السنّة ومصادرهم، وإنّما بسبب معارضته للنّظام القائم، وطعنه في رموزه، لكنّ دولة الملالي في إيران لم تحتجّ –في المقابل- على إعدام النّمر لأنّه معارض للنّظام القائم ولو كان الأمر كذلك لاحتجّت على إعدام المتّهمين جميعا، وإنّما احتجّت على إعدامه لكونه داعية شيعيا، يمثّل مخلبا من مخالبها في المنطقة، وهو ما يعطي دليلا جديدا على أنّ إيران دولة طائفيّة بامتياز، تعتبر كلّ شيعيّ في العالم مواطنا من مواطنيها، على النّقيض تماما من الدّول السنية التي ترى في المحاكمات والإعدامات التي تطال أهل السنّة في بعض الدّول الطّائفية، شأنا داخليا.

إيران التي أعلنت حالة الاستنفار بسبب إعدام داعية شيعيّ سعوديّ وأنذر مرشدُها الأعلى السّعوديّةَ بعقاب إلهيّ وشيك!، هي ذاتها إيران التي يساق دعاة وعلماء أهل السنّة على أرضها إلى المشانق، ليس بتهمة الإرهاب أو إثارة الفوضى فقط، وإنّما أيضا بتهمة الدّعوة إلى مذاهب أخرى غير المذهب الرّسميّ لإيران، وبتهمة “محاربة الله”! و”الفساد في الأرض”!، وغيرها من التّهم التي تلصق بالأئمّة والدّعاة الذين يدافعون عن مصادر الدّين ورجاله، وتُلصق أيضا بكلّ معارض يطالب بحقوق الأقليات في إيران.

قبل أشهر قليلة فقط، وبالتّزامن مع الحكم الذي صدر في حقّ “نمر باقر النّمر” في الـ15 أكتوبر 2015م، أصدرت السّلطات الإيرانيّة حكما بإعدام الداعية الشابّ “شهرام أحمدي” الذي وجّهت له تهمة “الانتماء إلى منظمة سلفية”، و”المشاركة في صفوف عقائدية وسياسية وبيع بعض الكتب والأقراص المدمجة”!، وقد صدر الحكم بإعدامه ثلاثَ سنوات فقط بعد تنفيذ حكم الإعدام بحقّ شقيقه بهرام أحمدي، في الـ27 ديسمبر 2012م، وظلّت والدة شهرام تتوسّل البلدان الإسلاميّة والمنظّمات الدّوليّة بأن تتدخّل لإنقاذ ابنها الثّاني من الإعدام الوشيك، لكن من دون جدوى، ما جعلها تقول أخيرا: “أتضرّع إلى الله ليلا ونهارا أن يدركني الموت قريبا، لأنّنا سنّة ولا يصل صوتنا إلى الآخرين”.

وقبل شهرام، أعدمت إيران في سنة 2014م، الداعية السنيّ “جمشيد دهقاني” مع 4 دعاة آخرين، بينهم شقيقه “جهانغير دهقاني”، بتهمة “المحاربة والإفساد في الأرض”، وقبله أُعدم حبيب الله ريغي، في الـ26 أكتوبر 2013م مع 15 آخرين من السُّنَّة كانوا يعذّبون في أقبية سجن زاهدان، ولفّقت لبعضهم تهمة قتل حرس الحدود في سراوان، مع أنّهم كانوا في السجن وقت وقوع الحادث، كما وُجِّهت لبعضهم الآخر التّهمة المعهودة “محاربة الله والإفساد في الأرض”.

وقبل دهقاني ورفاقه، أعدمت إيران خطيب أهل السنة “أصغر رحيمي” في الـ27 ديسمبر 2012م بتهمة “المحاربة” والعمل ضدّ الأمن القومي، بعد أن ذاق شتّى صنوف التعذيب، كما أعدمت في اليوم نفسه الدّاعية السنيّ “كيوان زند كريمي بن أسد” الذي أجبره المحققون على التوقيع على اعترافات ملفّقة وهو معصوب العينين، وقبله، في أفريل 2011م، تمّ إعدام الشّيخ “عادل محمد صقر التميمي” خطيب مسجد فاطمة في مدينة الصالحية الأحوازية، وأحد أبرز علماء السنّة في المنطقة، وقبله أُعدم العالمان السنيان خليل الله زارعي وصلاح الدين سيدي، سنة 2009م، في مدينة زاهدان الإيرانية، شنقا، بتهمة “محاولة مكافحة النظام، وحمل وحفظ السلاح بطريقة غير شرعية”!.

 

ولا تزال قائمة العلماء والدّعاة والخطباء والنّاشطين الذين أعدمتهم إيران، طويلة وعريضة، ولا شكّ أنّها ستتوسّع في الأيام والأشهر والسّنوات القادمة، لأنّ إيران ترى أنّ رقبة داعية شيعيّ واحد لا تعدلها رقاب المئات والآلاف من علماء ودعاة أهل السنّة، الذين لا يجدون من الدول السنيّة دولة واحدة تتبنّى قضيتهم وتطرحها أمام المنظّمات العالميّة وفي المحافل الدولية، ولا يجدون أصواتًا عالية مؤثّرة تفضح الازدواجية المقيتة التي تصرّ عليها إيران حين ترى في قتل “النّمر” عاملا من عوامل إثارة الفتنة في المنطقة، وكأنّ الرّجل كان داعية وحدة وتعايش وسلام!، وترى في إعدامه سببا من أسباب صرف الأمّة عن قضية فلسطين، وكأنّ إعدام علماء ودعاة أهل السنّة على أراضيها بتهم ملفّقة، يخدم الوحدة الإسلاميّة، ويخدم القضية الفلسطينية!.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!