-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى كلّ تائب في رمضان

سلطان بركاني
  • 392
  • 0
إلى كلّ تائب في رمضان

أخي المؤمن.. أنت، يا من وقعت عينك على هذا العنوان، فبدأتَ بالقراءة، بعد أن أحسست بأنّ الموضوع يعنيك. نعم، هو -حقيقة- يعنيك، ويعنيني أنا، ويعني كلّ عبد تدبّ الحياة في روحه. كلّنا نحتاج لأن نتوب إلى الله ونجدّد إيماننا وحياتنا، ونقطع ذلك الروتين الذي أرهق أرواحنا وأتعب نفوسنا وأظلمت له قلوبنا.. أنت وأنا وكلّ تائب إلى الله في رمضان، في أمسّ الحاجة لأن نَصدق مع الله في توبتنا، ونعقد العزم على أن تكون توبتنا في رمضان هي آخر عهد لنا مع حياة الغفلة والفوضى والإعراض والتفريط.

إنّ أغلى يوم في حياتك -أخي المؤمن- هو ذلك اليوم الذي عدت فيه إلى ربّك، فإياك إياك أن تنساه، وتستسلم -سريعا- لرغبات نفسك الأمّارة بالسّوء التي تطلب العودة إلى حياة الفوضى والغفلة، فتعود إلى ما كنت عليه.. بداية كلّ طريق جديدة تكون صعبة بعض الشّيء. لكنّ لمجاهدة النّفس فيها على الصّبر والمواصلة حلاوة يعرفها التائبون جميعا.

استعن بربّك الكريم الذي فرح بتوبتك، واستعذ به من شرّ نفسك، واسأله أن يثبّت قلبك على طاعته، ويعينك على نفسك. تزوّد في هذا الشّهر من الطّاعات، ولا ينبغي أن تغرب شمس يوم من الأيام إلاّ ولك فيه طاعة من الطّاعات التي تكفّر بها ذنوبك وتغسل بها خطاياك وتشحن بها قلبك وروحك.. المحافظة على الصلاة قد تكون شاقّة، فتذكّر عند النّداء لكلّ صلاة الحلاوة التي تجدها بعد كلّ صلاة أقمتها في وقتها وخشعت فيها. صلّ صلواتك وادع الله بالثبات.. تلاوة القرآن قد تكون ثقيلة على نفسك التي تسوّل لك إغلاق المصحف عند نهاية كلّ صفحة أو رأس كلّ حزب. لا تنس أنّك تأخذ أعظم وأنفع دواء لقلبك وروحك ونفسك، فلا تتركه من أوّل رشفة، بل استمرّ حتّى تبدأ الحلاوة تتسرّب إلى نفسك.. اتل القرآن وادع الله أن يثبّتك ويرزقك حلاوة تلاوته آناء الليل وأطراف النّهار.. صلّ ولو ركعتين في وقت السّحر قبل وجبة السّحور، وادع الله بعدهما أن يتقبّلك ويثبّن قلبك.. عند وقت الإفطار في آخر اليوم، لا تنس أنّك قد تركت طعامك وشرابك وشهوتك لله، استحضر هذه النية وأنت تدعو الله في لحظات الإفطار بأن يثبّتك على طاعته.. الدّعاء هو سلاحك لمواجهة نفسك الأمّارة بالسّوء، ومواجهة دواعي العودة من حولك وما أكثرها! الجلسات الطّويلة في المقهى تدعوك للعودة، والهاتف يدعوك للعودة. ورفاق الماضي يدعونك للعودة. استعن بالدّعاء لتثبت أمام المغريات، وتذكّر أنّ قلبك بيد الله يقلّبه حيث يشاء، وإذا رأى -سبحانه- منك الصّدق ووجد منك الإلحاح في الدّعاء، فإنّه سيثبّت قدمك في رمضان وبعد رمضان ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)).

لا تنس -أخي المؤمن- نعمة إدراك رمضان. لا تنس فضل هذه الأيام. لا تنس أنّ أجور الحسنات تضاعف أضعافا لا يعلمها إلا الله، يقول إبراهيم النخعي عليه رحمة الله: “صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة”. لا تنس أنّ رمضان هذا العام يمكن أن يكون آخر رمضان تدركه، فليكن رمضانَ الذي تعتق فيه من النّار وتفوز بفيه رضا الله العزيز الغفّار.

إنّ الحياة -أخي المؤمن- لن تحلو ولن تطيب إلا بالاستقامة على طاعة الله، إلا بطلب رضا الله. لن تحلو الحياة إلا بحثّ الخطى إلى المساجد، وثني الرّكبتين أمام كتاب الله. إلا بغضّ السّمع والبصر واللّسان عن محارم الله. مهما كانت هموم الدّنيا وغمومها فإنّ قلب العبد المستقيم على طاعة الله في راحة وطمأنينة، لأنّه يعلم أنّه يعيش أياما معدودة في دنيا زائلة فانية.

إنّها الحياة الحقيقية؛ حياة يحسّ فيها العبد أنّه يقترب من رضا ربّه الكريم، وأنّه عمّا قريب سيقف بين يدي ربّه الغفور الرّحيم، ليرتاح من هموم الدّنيا وغمومها وآلامها، ويحطّ رحاله في جنّة لا يفنى نعيمها. لا همّ فيها ولا غمّ، ولا تعب فيها ولا نصب، ولا جوع ولا ظمأ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!