-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى متى يستمرّ كابوس الإجرام في حقّ البراءة؟

سلطان بركاني
  • 7510
  • 0
إلى متى يستمرّ كابوس الإجرام في حقّ البراءة؟

نهاية مأساوية مروّعة، تلك التي أُغلق عليها ملفّ اختطاف الطّفلة نهال، البريئة صاحبة الأربع سنوات. أربع سنوات من البراءة طويت بجريمة مروّعة يتفتّت لها الحجر وتهتزّ لها الأرض والسّماوات.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. طفلة في الرّابعة من عمرها تُذبح ويُفصل رأسها عن جسدها، على يد وحش بشريّ.. إنّ القلوب لتحزن وإنّ العيون لتدمع، وإنّ الألسن لتلهج بالبراءة إلى الله ممّا حصل معك يا نهال.

سامحينا يا نهال.. ومعذرة أيها الأطفال

سامحينا يا نهال، فو الله ما رضينا لك هذه النهاية وهذا المآل؛ ما رضينا أبدا برحيلك عن هذه الدّنيا بهذه الطّريقة البشعة المروّعة.. والله ما رضينا أبدا ونحن نسمع تفاصيل قصّة اختطافك وقتلك وأنت التي كنتِ ضيفة مع والديك عند أخوالك..

 سامحْنا يا أبا نهال فإنّا لا نملك غير العزاء وغير الشّجب والمطالبة بالقصاص.. 

سامحينا يا أمّ نهال، سامحينا أيتها المفجوعة المكلومة.. سامحينا يا من تفتّت قلبك وجفّ دمعك.. سامحينا يا من جفّ ريقك وأنت تتجرّعين لوعة الأسى وتنتظرين على أحرّ من الجمر أن تعود إليك ابنتك، وكنتِ تتوسّلين إلى المختطف أن يرحم لوعتك ويُعيد إليك ابنتك وتعدينه بالصّفح عنه، ففجعتِ أول أمس بالخبر الذي كنت تخشينه وتتمنّين ألا يطرق سمعك.. سامحينا يا جدّة نهال، يا من قلتِ والدّمع ينهمر من مقلتيك: “قتلوها.. لماذا لمْ يضعوها لنا أمام الباب كما اختطفوها، لماذا أعطوا جسدها الصغير للحيوانات لتفترسها؟ هل عذبوها وهي حية؟ كيف صرخت؟ ماذا قالت؟…”.

إنّها الجزائر المسلمة يا سادة

نهال لم تمت على فراشها، لم تمت في حادث مرور، وإنّما كانت نهايتها على يد وحش بشريّ ذبحها وفصل رأسها عن بدنها، وأحرقه بمادّة روح الملح “الأسيد” حتى لا تُعرف ملامحها، وترك جثتها لتنهشها الحيوانات المفترسة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. أين حصل كلّ هذا؟ في كولومبيا أم في البرازيل أم في جنوب إفريقيا أم في نيوجرسي الأمريكية، حيث مرتع عصابات القتل الإجرام؟ لا والله، لقد حصل في بلد مسلم أهله كلّهم مسلمون. اسمه الجزائر.

قُتلت نهال البريئة، كما قتل قبلها أنيس محفوظ وأنيس بوناب وياسين بوشلوح والأخوان إبراهيم وهارون من قسنطينة وشيماء، وكما قتل أطفال آخرون أبرياء، من غير جريرة اقترفوها. فما هذا الذي يحدث في هذا البلد؟.

المسؤولية عن استمرار هذا الكابوس هي مسؤولية المجتمع الذي تربّى في أحضانه هؤلاء الشّباب المنحرفون، وألقى لهم الحبل على الغارب، هي مسؤولية كلّ من يترك الحرية كاملة بلا رقابة لأبنائه ليخرجوا من البيت وقتما شاؤوا ويعودوا وقتما شاؤوا، ويسهروا كيفما شاؤوا وحيثما شاؤوا، ويسمح بفتح الأنترنت في البيت من دون حسيب ولا رقيب، ولا يمنع أبناءه التدخين والسّهر ولا يسأل عن صداقاتهم وأوقاتهم؛ كلّ أب يهمل تربية أبنائه ومراقبتهم هو مسؤول أمام الله عن هذا الواقع المرير الذي نعيشه.. 

إنّها الوحوش التي لم تجد لها رادعا

المؤشّرات كلّها تنذر بأنّ البلد ينحدر ليس فقط نحو أزمة اقتصادية خانقة، وإنّما أيضا نحو أزمة اجتماعية وأخلاقية كبيرة تهدّد كيان المجتمع بأسره، كيف لا وقد أصبح الآباء والأولياء لا يكاد الواحد منهم يهنأ بعيش ولا طعام ولا شراب، بسبب خوفه على نفسه وماله وأهله، وعلى أبنائه وبناته، من سطوة هذه الوحوش البشريّة التي أصبحت تفرض منطقها في ظلّ غيابٍ شبه كامل لمن أُنيط بهم حفظ الأرواح والأعراض والأموال؛ وُحوش لم تتربَّ في المساجد ولا في البيوت، وإنّما تربّت وترعرعت في الخلوات ومقاهي الأنترنت، على سلوك كلّ السّبل المتاحة وغير المباحة للظّفر بمصروف الجيب، وإشباع الغرائز التي لا تخبو أبدا بسبب المواقع الإباحية التي يصرّ بعض المسؤولين في هذا البلد على أنّ منعها ليس من أولوياتهم! والتي يتساهل أصحاب مقاهي الأنترنت في السّماح لزبائنهم من الشّباب بتصفّحها بل والسّهر عليها إلى ساعات متأخّرة من اللّيل، بل تعاظمت محنة هذه المواقع وصارت الآن تُتصفّح على الهواتف المحمولة، وأصبح كثير من شبابنا التائهين لا همّ لهم إلا تبادل ما جدّ في عالم الفساد من صور ومقاطع، تؤجّج الغرائز، وتحوّل أصحابها إلى وحوش تهيم على وجوهها، وربّما تزداد ضراوتها إذا تعاطت الحشائش والمخدّرات.. 

يبحث هؤلاء الشّباب الذين تحوّلوا إلى وحوش مسعورة كاسرة عن إشباع غرائزهم بشتى السّبل، ولو أدّى بهم الأمر إلى الوقوع في الفاحشة الكبرى التي كان يتعاطاها قوم لوط، ولو أدّى بهم الأمر إلى إشباع غرائزهم باغتصاب أطفال أبرياء؛ يُقدِم الواحد من هؤلاء الشّباب الذين أعمت الغرائز أعينهم وطمست على عقولهم، يُقدم على اختطاف طفلة أو طفل في سنّ البراءة بكلّ وحشية من أمام بيته أو في طريق المدرسة، ويقتاده بالقوة أو بالإغراء إلى بعض الأماكن المعزولة ليشبع به غريزته الآثمة، فإذا كان له ما أراد، وتذكّر الفضيحة التي ستلحقه، أغراه الشّيطان بأنّه لا سبيل للتّغطية على فعلته إلا بقتل الطّفلة أو الطّفل، وتقطيع جثّته ورميها في المزبلة، بل ربّما يحرّق الجثّة بكلّ قسوة.. 

تختفي الطّفلة البريئة أو يختفي الطّفل البريء، وتمرّ الأيام والأسابيع، والوالدان في جحيم مستعر وسط الإشاعات والأقاويل، لا يهنآن بشراب ولا طعام، ولا يذوقان طعم النّوم في تلك الأيام؛ الأب المسكين من شارع إلى شارع، ومن حيّ إلى حيّ، ومن مدينة إلى مدينة، يبحث عن ابنته أو ابنه، هو يخشى أن يكون قد مات، لكنّه لا يريد أن يقتنع بذلك.. يظلّ يحمل في قلبه بصيصا من الأمل إلى آخر لحظة.

أمّا الأمّ المسكينة، فإنّ الدّموع لا تفارق مقلتيها.. تبكي باللّيل والنّهار، قلبها قد احترق على فلذة كبدها، وريقها قد جفّ من طول الانتظار.. تتوجّس من كلّ جديد من الأخبار.. هي تخشى أن يفجعها الخبر، لكنّها تتشبّث بآخر خيط من الأمل.. تبكي وتتأوّه وتدعو وتستغيث.. وتمرّ الأيام والأسابيع وهي على تلك الحال، حتى تُفجع في النهاية بأنّ ابنتها أو ابنها قد مات.. وتسمع أنّه قد ذبح وقطّعت جثّته أو أحرقت، فتسقط مغشيا عليها وُجدا على فلذة كبدها، وربّما تدخل في غيبوبة لا تستفيق منها إلا بعد أيام أو أسابيع، وربّما تموت، وربّما تصاب بالجنون.. كلّ هذا بسبب نزوة شابّ حوّلته الشّهوة الآثمة إلى وحش بشريّ، لا يفكّر في عواقب فعلته.

ربّما يكون سبب الجريمة خلافا تدفع البراءة ثمنه

وربّما تكون الجريمة في حقّ البراءة بسبب عداوة أو خصام، بين والد الطّفل وبين بعض الأقارب أو الجيران، فلا يجد ذلك القريب أو الجار من وسيلة للانتقام من قريبه أو جاره إلا باختطاف فلذة كبده، مستغلا استئناس البنت أو الابن إليه بسبب القرابة أو المجاورة.. يَختطف البريءَ ويحتجزه، ليستمتع برؤية والديه يعذّبان بفقده، وربّما يكون معهما، يتظاهر بالمساعدة في البحث والسّؤال حتى يُبعد عن نفسه الشّكوك والظّنون، إلى أن يَشفي غليله وهو يرى آلام الوالدين المسكينين، فيختم المشهد بجريمة مروّعة في حقّ البراءة.

تعدّدت الأسباب، لكنّ النّتيجة واحدة، براءة تُغتال بغير ذنب، ووالدان يُفجعان، ومجتمع يعيش في خوف وهلع وحيرة.. ومع ذلك نرى بعض المترفين في هذا البلد كأنّ الأمر لا يعنيهم، لأنّ أبناءهم يدرسون في مدارس خاصّة ويلعبون في حدائق خاصّة، فلا يهمّهم أمر أبناء الفقراء، ولا تطرق مسامعَهم آهات وصرخات المفجوعين من الأمّهات والآباء، ونرى بعض المتعلمنين، مع كلّ هذه الفواجع وكلّ هذه الجرائم المروّعة، يستنكرون المطالبة بالقصاص وتطبيق حكم الإعدام في حقّ المجرمين والقتلة؛ يتذرّع بعضهم بأنّ الإعدام منافٍ للأعراف الدّولية!، بينما يستطيل بعضهم الآخر بالقول إنّ القصاص وعقوبة الإعدام قد عفا عنهما الزّمن! وصدق المثل الجزائريّ القائل “لا يحسّ بالجمرة إلا من داس عليها بقدمه”.

ما أقساها من قلوب، تلك التي لم تؤثّر فيها دمعات الأمّهات المكلومات وصرخات النّساء المفجوعات، وهنّ يتوسّلن إلى المسؤولين أن يتدخّلوا لإنقاذ فلذات أكبادهنّ، قبل أن يعودوا إليهنّ جثثا هامدة، وتمرّ الأيام والشّهور والدّموع لا تغادر المقل، والحسرات تعتصر القلوب، حتى يبلغ الأمر بهنّ إلى تمنّي رؤية أبنائهنّ ولو جثثا هامدة، وهي الأمنية التي تتحقّق في نهاية الأمر.

إنّها مسؤوليتنا جميعا

إنّ المسؤولية عن استمرار هذا الكابوس المرعب في مجتمعنا هي مسؤولية الجميع؛ مسؤولية المجتمع الذي تربّى في أحضانه هؤلاء الشّباب المنحرفون، وألقى لهم الحبل على الغارب، حتى أصبحوا يفرضون منطقهم في كلّ مكان، ويهدّدون كلّ من يقف في طريقهم أو ينكر صنيعهم.. وقبل هذا، هي مسؤولية الآباء الذين يسمحون بأن تُؤبّى في بيوتهم هذه الوحوش الكاسرة التي لا همّ لها سوى إشباع الغرائز وملء الجيوب.. كلّ من يترك الحرية كاملة بلا رقابة لأبنائه ليخرجوا من البيت وقتما شاؤوا ويعودوا وقتما شاؤوا، ويسهروا كيفما شاؤوا وحيثما شاؤوا، ويسمح بفتح الأنترنت في البيت من دون حسيب ولا رقيب، ولا يمنع أبناءه التدخين والسّهر ولا يسأل عن صداقاتهم وأوقاتهم؛ كلّ أب يهمل تربية أبنائه ومراقبتهم هو مسؤول أمام الله عن هذا الواقع المرير الذي نعيشه.. 

آن الأوان أيها الآباء أن نتحمّل مسؤولية أبنائنا.. إنّ الخسارة منتهى الخسارة أن يصلّي الرّجل ويصوم ويتصدّق ويعتمر ويحجّ، وأبناؤه الذين أهمل تربيتهم يُحرقون حسناته بطيشهم وعبثهم واتّباعِهم سبل الغواية والفساد. أب يصلّي في بيت الله كلّ جمعة ويسمع الدّروس والخطب، وربّما يصلّي الصّلوات الخمس في بيت الله، وأبناؤه يقضون غالب أوقاتهم يحتسون السّموم ويلهثون خلف الشّهوات، مِن مقهى الأنترنت إلى الشّوارع والطّرقات يتشبّبون بالغاديات والرّائحات.. ينام الواحد منهم إلى منتصف النّهار، ويخرج من البيت ولا يعود إلا في آخر اللّيل، وأبوه لا يسأل عنه ولا ينهاه ولا يزجره.. لسنا ندعو الآباء الذين أهملوا تربية أبنائهم إلى ترك الصّلاة، كلا، إنّما ندعوهم إلى مراجعة علاقتهم بأبنائهم وبناتهم، فربّما يأتي الواحد منهم يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيُفاجأ بأبنائه يقتادونه من يده ليأخذوه إلى جهنّم عياذا بالله، لأنّه أهمل تربيتهم وتركهم ضحايا للواقع المليء بالفساد، وتحوّلوا إلى مجرمين يعبثون بالأعراض والأرواح.

هذه المنكرات التي تزداد حدّتها ويتفاقم حصادها، أوكار بيع الخمور التي يزداد عددها عاما بعد عام، حفلات الأعراس التي تحوّلت إلى ملاذ مفضّل لشباب الخمور والمخدّرات، والتي تستمرّ إلى ساعات متأخّرة من اللّيل؛ أليس هناك قانون يمنعها؟ بلى، هناك قانون يمنعها، سيحاسب كلّ من قصّر في تطبيقه بين يدي الله يوم القيامة، سيحاسب عن كلّ ما يحصل بسبب هذه الحفلات من قطع للطّرقات وأذية للجيران.

مسؤولية الجرائم المروّعة التي لا تنتهي هي مسؤولية هؤلاء جميعا، لكنّ المسؤولية الأكبر هي مسؤولية من يشرعون القوانين في بلادنا، وعليهم تقع مسؤولية منع الخمور وتجريم بيعها، والجدية في إعلان الحرب على كبار مروّجي المخدّرات قبل صغارهم، وفي حجب المواقع الإباحية، وفي تجنيد مؤسّسات الدولة وبخاصّة الأمنية منها لحماية الأبرياء وصون الأرواح والأعراض، والأهمّ من هذا وذاك، تسليط أقسى العقوبات في حقّ المجرمين العابثين.. هؤلاء الذين يختطفون الأطفال لينتهكوا أعراضهم، حدّهم هو حدّ الحرابة، كيف لو تمادوا إلى قتلهم والتّمثيل بجثثهم، إنّه لا عقوبة لهم إلا الإعدام بصورة تردع أمثالهم من عتاة المجرمين.. إنّه ليس يُقبل وليس يكفي أبدا أن يُسجن هؤلاء المجرمون في سجون يأكلون فيها ويشربون وينامون ويمارسون الرياضة ويشاهدون التلفاز، ثمّ تخفّف عقوباتهم عاما بعد عام، ليعودوا إلى المجتمع بعد بضع سنوات، ويعودا إلى ممارسة هوايتهم المفضّلة في الإجرام وانتهاك الأعراض.. الدّين يحكم بالقصاص على هؤلاء، والمجتمع ينادي بالإعدام، وينادي بتطبيقه، فليس يكفي أن يُحكم على المجرم بالإعدام، ثمّ لا ينفّذ في حقّه على مرأى من النّاس؛ فهل آن الأوان ليلتفت المـُــشرّعون إلى حكم الدّين، ويسمعوا نداءات المجتمع الذي اكتوى بعبث المجرمين؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!