-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنتقاد الإنتقاد

إنتقاد الإنتقاد

حمّل السيّد عبد المالك سلال، خلال زيارته إلى مدينة الثقافة تلمسان مَن أسماهم بالنخبة المثقفة، مسؤولية الدفع بالمجتمع إلى اليأس والاستقالة المعنوية، ووجّه لهم تهمة الإضرار بالجزائر، لأنهم نسوا وظيفتهم في البناء، فحملوا معاولهم، وراحوا يهدمون فقط بانتقاد كل شيء دون تثمين ما رآه السيد الوزير الأول مكتسبات ومرافق عمومية، يجب المحافظة عليها، وكان تشبيه الوزير الأول لسياسة الانتقاد، بالرياضة اليومية التي يمارسها المثقفون في محلّها، وهي لا تختلف عن رياضة التنكيت التي يمارسها أيضا الوزير الأول، لأجل منح المجتمع “بالونات” أمل والابتعاد عن الاستقالة المعنوية التي هي فعلا واقع مر تعيشه الجزائر.

قد يكون السيد عبد المالك سلال محقا في انتقاده للمنتقدين الذين داوموا على عدّ السلبيات فقط، وقد يكون محقا في تلبيسهم تهمة الإضرار بالبلاد، ولكن جريمتهم هي مجرد “لعاب كلام أو حبر كتابة”، وليس فعل بأرقام وفضائح لم نعد في حاجة للبحث عن الدليل فيها، لأن الجرائم صارت عابرة للقارات، وهو ما جعل الاستقالة المعنوية أمرا لا إراديا يجد المواطن نفسه ممارسا لها، من دون رغبته، ولا إرادته، ولا حتى علمه بأنه مستقيل، كما أن الكثير من الفئات لم يبلغ درجة الاستقالة لأنه أقيل منذ فترة طويلة بفعل فاعل.

 وإذا كان الوزير الأول قد أحسّ بالاستقالات المعنوية في زياراته الكثيرة لمختلف مناطق الوطن، فإنه بالتأكيد لمس أن المواطنين لم يستقيلوا ماديا، بدليل أن كل زياراته كانت تلقى الترحاب، ويقابله الشباب فيها بقوائم من الطلبات التي أكدت وجودهم المادي فقط، أما المعنوي فبالتأكيد أن السيد عبد المالك سلال، يعلم لماذا قدّموا فيه استقالاتهم الجماعية وكيف أجبروا عليها، وما يقدمه من أسماهم بالنخب المثقفة، ليس سوى وصف حالة فقط، وليس تشجيع لانتشار هذه الحالة التي بدأت أعراضها منذ أن تهاطلت على الجزائريين، حكايات السرقات بملايير الدولارات التي سبقه إليها زميله في الرتبة رئيس الوزراء الأسبق الإبراهيمي، وتهاطلت الآن في عهده، من قضية الخليفة إلى قضية شكيب خليل التي نسفت المعنويات ولم تؤد بها إلى الاستقالة فقط.

ربما الوزير الأول يطالب المنتقدين بالاستقالة من الانتقاد، وهذا من حقه كإنسان، يظن أنه اجتهد على الأقل بتنقلاته ومقترحاته والأموال التي يوزعها في خرجاته، وبالكم الهائل من الطرائف التي يقولها هنا وهناك، ولكنه سيكون مخطئا لو ظن أن المنتقدين بإمكانهم حل أزمة السكن أو الشغل أو منع الشباب عن الهجرة غير الشرعية أو وضع مخططات تنموية، لأنهم أولا غير موجودين في الحكم وثانيا غير مؤهلين لذلك، وأخيرا لأن هذا الدور لا يمكن أن يقوم به إلا صاحب القرار والذي بيده خزينة البلاد والآمر الناهي، وسيكون مخطئا أكثر لو ظن أن إلقاء ورود الأمل، قادرة على منع هذه الاستقالة المعنوية الجماعية التي اختارها الجزائريون طوعا وفي غالب الأحيان كرها.

 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الزهرة البرية

    ولكن جريمتهم هي مجرد "لعاب كلام أو حبر كتابة"..
    "... وهل يكب الناس في جهنم على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟"
    حديث شريف

  • الجزائرية

    .إن الأرقام تحمل في ثناياها المنجزات الكبرى و الفساد الكبير .. علينا إذن أن نملك الشجاعة للحديث عنهما معا و بموضوعية..وعادة من يعمل محكوم عليه بالخطإ .. ..فالله عز وجل بين أن الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة .