-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنجازات السلطة والخلود في الحكم

حسين لقرع
  • 3898
  • 2
إنجازات السلطة والخلود في الحكم

سواء ترشّح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة أو لم تُسعفه صحتُه وترك النظامَ يقدم مرشحاً آخر، فإن النتيجة واحدة؛ وهي أن السلطة تريد الاستمرار في احتكار الحكم، ولا يهمّ أن يتولى الرئاسة َ الحاج موسى أو موسى الحاج.

وتخطئ الأحزاب حينما تشغل نفسها بتصريح سلاّل بأن حصيلة 14 سنة من حكم بوتفليقة ستُقدّم قريباً، وتشرع في “تحليل” هذه المقولة، وهل تنطوي على رغبة في الترشح لولايةٍ رابعة أم في تقديم حصيلة المنجزات ومغادرة الرئاسة بعدها؟

ليس الأهم أن يترشح بوتفليقة مجدداً أو ترشِّح السلطة شخصية أخرى بدله، بل الأهمّ هو: هل تسمح السلطة بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة يختار الشعبُ فيها رئيسه القادم بمحض إرادته، أم تستمر في ممارسة الوصاية على الشعب وتلتفّ على النتائج كالعادة وتعلن فوز مرشحها في إنتخابات أفريل 2014 بغضّ النظر عن اسمه؟

وإذا وجهت السلطة الرئاسيات القادمة باتجاه فوز مرشحها، فما الفائدة من أن تنشغل الأحزابُ بكون هذا المرشح هو بوتفليقة أو غيره؟ أين يكمن الفرق؟

المفروض أن تصعّد أحزابُ المعارضة نضالها وتحسّن أداءها وتفكّر في وسائل جديدة لإنهاء ديمقراطية الواجهة وتكريس الديمقراطية الحقيقية، وليس الإنشغال بترشح بوتفليقة أو غيره، وكأنها مسألة أشخاص وليست مسألة ممارسات شمولية احتكارية.

الأمر الآخر اللافت للانتباه في تصريح سلاّل وكذا تصريح سعيداني بخصوص ترشيح جبهة التحرير لبوتفليقة بناءً على إنجازاته طيلة 14 سنة، أن السلطة أصبحت تستعمل هذه الإنجازات كمطية للخلود في الحكم، في حين تقوم المعارضة بالتقليل من حجم هذه الإنجازات وتسويد الوضع عوض أن تركز على فضح ما تقوم به السلطة من سلوكات احتكارية إقصائية؛ فمتى كانت إنجازاتُ رئيس ما مبرراً لخلوده في الحكم إلى غاية وفاته؟ لو كان الأمرُ يُقاس بالإنجازات لحُقّ لكل رئيس من رؤساء الولايات المتحدة أن يحتكر الحكم مدى الحياة بالنظر إلى الإنجازات الضخمة التي يحققها لشعبه طيلة 8 سنوات من حكمه، وعلى جميع الأصعدة، وقد وفر بيل كلينتون، على سبيل المثال، 8 ملايين وظيفة لبطالي شعبه، ولكنه لم يفكر، كما لم يفكر أي رئيس أمريكي قبله ولا بعده، في اتخاذ إنجازاته ذريعة لتعديل الدستور الأمريكي بغية الترشح مجدداً لولايات رئاسية غير محدودة؛ فالدستور الأمريكي يكاد يكون مقدساً ولا يُغيَّر كل بضع سنوات على مقاس الرؤساء، بل يحترمه كل رئيس بعد انقضاء ولايته وينسحب من الحكم بهدوء بعد أن يختار الشعب الأمريكي رئيسا جديدا له بكل حرية وشفافية، لأن الرؤساء الأمريكيين يؤمنون بدولة المؤسسات ولا يعتقدون بأن البلد لم يُنجب أفضل منهم.

إذن المسألة لا تكمن في أن بوتفليقة حقق إنجازاتٍ كبرى عديدة طيلة 14 سنة من حكمه كما يقول مناصروه، أو لم يحقق شيئاً ذا بال كما يقول معارضوه، بل المسألة أن النظام يطرح بمكر ودهاء مسألة إنجازات الرئيس لاحتكار الحكم والخلود فيه، سواءً عن طريق نفس الرئيس أو شخصية أخرى تخلفه تحت غطاء الإستمرارية والوفاء لبوتفليقة، لتثبت السلطة للمرة الألف أنها لا تؤمن سوى بديمقراطية شكلية تمنح من خلالها قدراً من الحريات للشعب ومنها حرية الرأي والتعبير، في حين تمنعه من حقه في اختيار حكامه بكل حرية، وماذا يبقى من الديمقراطية إذا استثنت منها السلطة مبدأ تداول الحكم؟

والمؤسف أن هذه الممارسات الشمولية الإقصائية وروح الوصاية المُزمنة على الشعب لا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات لقرب نهايتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Dr Mohna3li

    لله درك يا كاتب المقال. فكما عهدناك أتيت على كل جوانب الموضوع و أعطيته حقّه في الطرح و النقد و التحليل.
    من حق كلّ جزائري الترشح و طرح مشروعه و الدفاع عنه، كما يحقّ للرئيس المنتهية عهدته ابراز ما حققه من انجازات خلال ولايته و على الشعب اختيار من أقنعه و استماله اليه بكلّ حرية. و لكن قبل هذا يجب على السلطة توفير المجال الكافي و الفضاء النقي للمنافسة الشريفة و ضمان الشفافية و النزاهة قبل و أثناء و بعد الانتخابات. و على الأحزاب حسب رأيي السعي لالزام السلطة بكل الوسائل السلمية و القانونية لتحقيق ذلك.

  • YF

    كان بالأحرى للعنوان أن يكون: انجازات السلطة الخلود في الحكم
    لأن الشيء الوحيد الذي تحسنه وباتقان كبير هو احتكار السلطة وتشويه كل من يعارض بل تتجرء حتى تخوينه وذلك في سبيل البقاء، ولكن هذا ليس ميزة لنا بل ميزة كل العالم الثالث إلا الذين استفاقوا كالمكسيك والبرازيل...