-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنسان البترول.. وبترول الإنسان

إنسان البترول.. وبترول الإنسان

الحمد لله أن انهيار أسعار البترول أحدثت هزة في وعينا الوطني وأبرزت ثغرات لم يكن الكثير ينتبه إليها قبل اليوم، وربما في الوقت المناسب. أبرزت أننا لم نكن نتصرف بالطريق الصحيح على الأقل في مجال تسيير مواردنا المالية، وأننا لم نكن نهتم بالثروة الحقيقية للأمم، العلم والمعرفة والوقت والإنسان ذي الأخلاق والقيم السامية.. أي لم نكن نهتم بالعناصر الرئيسية المُنشِئة للحضارة.

الوفرة المالية أعمت عيوننا، وأصبحت أساس السياسة وأساس الاقتصاد وأساس التعليم والبحث العلمي، بل حتى الأخلاق والقيم أصبحت مغلفة بغطاء من المال والثروة. لم يعد يُنظر إلى المرأة أو الرجل إلا ضمن نطاقها. وكأننا ابتلينا بها إلى درجة أن أعمت أعيننا على النظر في حقائق الأشياء والاستماع إلى صوت الضمير والحق.

وكان من نتائج ذلك، أن عمّ الفساد قطاعاتٍ بأكملها، وضُرب حصار على النزهاء في كل مكان، حيثما تولي وجهك فثمة إنسان البترول الذي يرمز إلى الفساد أو يدفعك نحوه أو يهددك به.. حتى ضاقت الدنيا بما رحبت بالشرفاء والساعين إلى فعل الخير وخدمة البلاد والعباد.

ومن غير سابق إنذار، تنهار أسعار البترول، مصدر الثروة والثراء والسطوة للكثير، ويُنتزع منهم سلاح طالما أشهروه في وجه كل معارض أو رافض لهذا الموقف أو ذاك، وتبدأ مساحة الأمل تتسع أمام بروز عناصر البناء القادرة فعلاً على جعل البترول بحق في خدمة الإنسان من خلال التأسيس لمجتمع جديد، وتقدّم حقيقي، وحضارة مزدهرة.

هي عناصر ما كانت لتبرز لولا هذه العُسرة المرتقبة، بل كانت ستموت إلى غير رجعة لولا هذه الهزات التي تأتي بين الحين والآخر، لتوقظ هذا وتنبّه ذاك وتخيف الآخر بأن لا شيء يدوم.

وعليه فإننا اليوم أمام فرصة ثمينة، ستمكننا بلا شك، من الشروع في الاستثمار الحقيقي الذي لا يفنى: استبدال إنسان البترول ببترول الإنسان.

فرصة اليوم ستمنع إنسان البترول من السيطرة على الإنسان الذي يريد أن يجعل من هذه الثروة وسيلة لإعادة بناء الدولة والاندراج ضمن مجتمع الحضارة.

بقي لنا فقط أن نستثمرها أحسن استثمار، سياسيا واقتصاديا وعلى مستوى التعليم ونشر القيم، وأن نعيد النظر في الكثير من السياسات التي تسبّبت في إنهاك الاقتصاد الجزائري، وخلخلة التوازن الفكري والمادي للمواطن في أكثر من مستوى.

 

وتلك لعمري مسائل تحتاج إلى جهود مضاعفة، وإلى يقظة ضمير، حتى ننتقل من حالة المادة التي تقتل كل قيمة لدى الإنسان إلى الإنسان الذي يعطي كل القيمة للمادة التي ينتجها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • أحمد/ قسنطينة /

    إن الأزمة تلد الهمة، و لا يتسع الأمر إلا إذا ذاق . نتمنى أن تتسع عقول سياسيينا إلى حكمة علمائنا و تلك مساحة للأمل .

  • رابح دحماني

    مشكووور استاذ على على الحمية وحب الوطن في ذاتك ، لكن لا أظن ان كلامك سيلقى اهتمام كبير ، ليس عيبا في ماتقول ، وانما لان مسؤولينا واصحاب القرار وكل الشعب من كبيره لصغيره ، من مثقفيه الى امييه عارفون ومدركون للوضع الراهن . يبقى فقط على اصحاب الهمم ان يوقظوا ويبينوا وينيروا الطرق نحو غد افضل ، لا بالرسائل السلبية التي توهن من عزيمتهم وانما بافكار ونماذج قابلة للتطبيق على ارض الواقع . والله المستعان ....

  • محمد

    السلام عليكم أستاذ قلالة، نحن نحبكم و نحترمكم ولكن لم ييعجبنا كلامكم بصيغة المتكلم الجمع "نحن لم نحسن"، "نحن اسانا"، نحن نحن، هذا ضلم لشعبك المستعمر المقهور، والذي لا تكليف له ما دام لم يختر شيئا مما هو فيه. "هم لم يحسنوا"، "هم إساؤوا"، هم هم هم. والعاقبة للمتقين ولا عدن إلا على االضالمين.

  • بنت عمران

    طوبى لهذه الافكار النيرة يبقى على أمثلكم تقديم حلول عملية تمس جميع الشرائح بدءا من الفرد الى الاسرة المدرسة ....،

  • عمار

    الفكرة كبيرة و بسيطة جدا يا استاذ (الافكار البسيطة هي التي تحدث التغيرات الاكبر شريطة ان تجد من يحولها الى مشروع) و المشروع كبير و ضخم و مليء بالمعوقات و اولها حسب رأيي المتواضع جدا : ان تقنع النخبة الحقيقة (لا اقصد السلطة و لا اقصد النخبة المزيفة) اولا بقابلية التنفيذ, لان اليأس تمكن منهم, لكي تتحرك و تعمل لكي تقنع الشعب ان يعمل و لا ينظر الريع بدون مقابل و ان لا يلتفت للفاسدين في السلطة في المرحلة الاولى لأنهم سيتناقصون تلقائيا في المراحل التالية الى نسبة مقبولة.بعد هذا فقط ستنطلق الآلة.

  • عمار

    االفكرة كبيرة و بسيطة جدا يا استاذ (الافكار البسيطة هي التي تحدث التغيرات الاكبر شريطة ان تجد من يحولها الى مشروع) و المشروع كبير و ضخم و مليء بالمعوقات و اولها حسب رأيي المتواضع جدا : ان تقنع النخبة الحقيقة (لا اقصد السلطة و لا اقصد النخبة المزيفة) اولا بقابلية التنفيذ ,لان اليأس تمكن منهم, لكي تتحرك و تعمل لكي تقنع الشعب ان يعمل و لا ينظر الريع بدون مقابل و ان لا يلتفت للفاسدين في السلطة في المرحلة الاولى لأنهم سيتناقصون تلقائيا في المراحل التالية الى نسبة مقبولة.بعد هذا فقط ستنطلق الآلة.