إنهم أناسٌ يتطهّرون!
تعدّ الخطوط الجوية الجزائرية إحدى الشركات الوطنية التي تنخرها الفضائح منذ سنوات عديدة بسبب تفشي سوء التسيير والإهمال والتسيّب ومظاهر سلبية أخرى…
منذ يومين فقط، انفجرت فضيحة رفض قائد طائرة الإقلاع من مطار هواري بومدين إلى بشار، دون أن تكلّف الشركة نفسها عناء تقديم تفسير مُقنِع لعشرات المسافرين الذين اضطروا إلى قضاء يومين كاملين بالمطار، وهم ينتظرون معرفة ما يجري، ولماذا رفض قائدُ الطائرة الإقلاع إلى بشار؟ ولماذا لم توفر الشركة بديلاً آخر له؟
الغريب أن الجوّية الجزائرية لم تعلن إلى حدّ الساعة فتح أي تحقيق، ولا معاقبة قائد الطائرة الذي رفض أداء عمله، أو إحالته على مجلس التأديب، في حين أنها سارعت منذ أيام إلى معاقبة المضيف “وليد. ب” الذي رفض تقديم الخمر لأحد المسافرين، وهو على متن طائرة متجهة من دبي إلى الجزائر، حيث أوقفته عن العمل مؤقتا وأحالته إلى مجلس التأديب.
لو كنّا في بلدٍ يحترم دينه وقوانينه، لكانت إدارة هذه الشركة هي الأولى بالعقاب وليس المضيف؛ فهو لم يقترف ذنباً حينما رفض تقديم الخمر للمسافر، لأن دينه يحرّمها ويلعن حاملها وساقيها، أما شركته فقد داست الدستور الذي ينص في مادته الثانية على أن الإسلام دينُ الدولة، وفي مادته التاسعة على أنه “لا يجوز للمؤسسات القيام بأي سلوك مخالف للخُلق الإسلامي“، أم أن الجوية الجزائرية تعتقد أن تقديم الخمور للمسافرين موافقٌ للخُلق الإسلامي؟
الأحرى بالشركة أن تعمل على معالجة الشكاوى المتكرّرة للمسافرين حول التأجيلات الكثيرة للرحلات، وسوء الخدمات، وإهمال الزبائن وعدم الاكتراث بهم، وإساءة معاملتهم أحياناً كما حدث منذ أيام مع مسافري بشار.
هذه هي المسائل التي ينبغي أن تركز الشركة على معالجتها، وليس اضطهاد أحد موظفيها وقطع رزقه عقاباً له على تطهّره وعدم تقديم الخمور لزبون مارق.
الجوّية الجزائرية تعاني منذ سنوات عدمَ القدرة على منافسة شركات الطيران العالمية، بل حتى الخليجية، بسبب تراجع خدماتها وتفشي الإهمال والتسيّب فيها، وقطعاً لن تتمكّن من منافستها بتقديم الخمور للزبائن ومعاقبة موظفيها الذين يرفضون مخالفة دينهم، بل برفع مستوى خدماتها والدقة في مواعيدها، ومحاربة الاستهتار المتفشي فيها، إلى درجة أن قائد طائرة يرفض الإقلاع إلى ولاية صحراوية ويترك عشرات النساء والأطفال والعجزة والمرضى ينتظرون يومين كاملين دون أن تتحرّك الإدارة لمعالجة الأمر في وقته.
كنا نودّ أن تحترم مختلف مؤسسات الدولة قيمَ الشعب وتقاليده بحذافيرها ولا تُشغِله بمسائل الحجاب والخمار و“تحرير” بيع الخمور وتقديمها في الطائرات.. وغيرها من المسائل التي تُلهي المجتمع عن قضايا أخرى تقضّ مضجعه كأزمة السكن والبطالة وغلاء المعيشة وتفشي البيروقراطية والمحاباة في التوظيف والرشوة والفساد… ولكن يبدو أن التيّار التغريبي المتغلغِل في دواليب الدولة، لايزال يتصرّف من منطلقات إيديولوجية معادية لقيم الشعب، عوض أن يعمل على معالجة المشكلات الحقيقية للمواطنين انطلاقاً من مواقع المسؤولية التي يحتلها.
كلمة أخيرة للغيورين على قيمهم: هبّوا لنصرة وليد، ولا تكونوا أقلّ شأناً من الفرانكوش الذين أطلقوا منذ أسابيع حملة واسعة لنصرة ذوات “السيقان العارية“، ولله في خلقه شؤون.